عقب المذاكرة الإجبارية ـ وقد عادت بعض المياه إلى مجاريها ـ أخرج أستاذ عساكر كرسيه وجلس أمام المسرح. نادى شلة أولاد قرف ليتفاكر معهم حول الاستعداد لبرنامج احتفالات عيد التعليم.
وكما نعرف، فإن أستاذ عساكر هو المشرف على ما كان يعرف بـ(الجمعيات الأدبية) والنشاطات. وقد قام بدور المخرج لمسرحية (الشماشة) التي فازت بها المدرسة في مسابقة المدارس العام الفائت. تلك المسرحية التي يرجع الفضل في تأليفها لـ(جو) الذي استقاها من الواقع، مطبقاً إعجابه بما قرأه في الكتب (المدسوسة) في بيتهم القروي، ومستغلاً (تجربته) في المشاركة في التمثيل في تمثيليات المدرسة الأولية ـ التي صارت (الإبتدائية) فوق رأسه. والفضل أيضاً ـ يرجع لأولاد قرف، الذين أجادوا التمثيل. أما فضل أستاذ عساكر، فكان في أمرين: الأول، هو كفاحه المرير لإقناع السيد المدير بالمسرحية، فهذا كان يرى فيها خروجاً على (أصول التربية) و(الذوق العام)!! وقد كان مصراً ـ ومعه أستاذ عبد الجليل ـ على المشاركة بمسرحية (صلاح الدين الأيوبي) التي مل الناس من تكرارها، الأمر الذي أضطر أستاذ عساكر أن يضحي ـ في سبيل الشماسة ـ بنقاط مهمة لكنها ساقت إلى الفضل الثاني: فعقب إسقاط بعض الألفاظ، تولى مهمة الإخراج، وابتدع وسائل حركية كانت أبلغ دلالة من الكلام!
فأستاذ عساكر لم يك، في الواقع، أكثر من (جربندي) موهوب. فمعرفته بالإخراج، والمسرح عموماً، ما كانت تتعدى المقدمات النظرية التي درسها في (بخت الرضا). وما التقطه من المداومة على حضور مسرح (جماعة الطليعة) ـ عندما كانت هناك طليعة. وقد تحسر أنه ما كان مهتماً بالموضوع في أيام (التأهيل) ليكتشف (ميوله واتجاهاته) مؤخراً! لذلك، فهو حريص على تجنيب طلابه ـ خاصة هؤلاء الأشقياء ـ غلطة عمره. وها هم سيغادرون المدرسة بعد شهور قلائل، ليصعدوا (السلم التعليمي) الذي قد يفضي بهم إلى الهاوية! ويبقى هو ـ ربما ـ هنا، وفي نفس المكان، يجتر ذكراهم التي قدلا تتكرر.
بلا مقدمات، أخبرهم بأنه وردت إليه طلبات مهولة ـ من الأميرية خاصة ـ تطالب بإعادة المسرحية هذا العام.
أشار شربات لعلي إسماعيل إشارة النصر (ومازال الزحف مستمراً ) ..
بعد أن أكملوا تلعليقاتهم الجانبية، طلب منهم أستاذ عساكر أن يفكروا في الموضوع ولكن اليوم سيكون للمسامرة. ثم ألقى بالسؤال لجو ـ ذلك السؤال الذي فات عليه أن يسأله العام الماضي:
ـ إنت عرفت حكاية الشماشة دي كيف!؟
وقف جو ـ كعادة الطلبة ـ ليجيب، فطلب منه أستاذ عساكر الجلوس قائلاً:
يا جماعة خلو (البساط أحمدي).
قال جو:
ـ كنت في يوم قدام السينما، وشفت الشماشة بمثلوا فيلم أمبارح. وكان أبو طويلة لما يمثل (ديجانقو) يبقى ديجانقو، ولما يمثل (شامي كابور) يبقى شامي كابور. وبعد داك بقيت أمشي كل يوم أعاين.. لمن جا يوم كنت إتاخرت في الداخلية، وحصلت قصة رينقو.. وبعد داك صاحبته وبقى يحكي لي.
ـ يعني إنتو كنتو بتحاكوا الشماشة بس؟
ـ أيوة .. بس أنا كنت شايف رينقو دة ود ذكي جداً، ولو دخل المدرسة ممكن يبقى حاجة، فعملنا حكاية الأستاذ البلاقيهو ويدخلو المدرسة.. يعني عشان الناس يعرفوا أنو الشماشة ديل زي بقية الناس. وممكن يكونوا أحسن!
فتأوه أستاذ عساكروقال:
"تعرف يإبني، إنت تمشي تقرا مسرح طوالي.."
وأضاف:
"يا إبني أي زول ممكن يبقى مدرس زينا كدة، وممكن يبقى مهندس أو دكتور أو ضابط أو حتى رئيس جمهورية. لكن ما أي زول ممكن يبقى فنان".
فتساءل أبو خمسين:
ـ يعني هو حيغني يا أستاذ!؟
ـ لا يا أبو خمسين. كلمة فنان دي ما لازم تعني الغُنا؛ الرسام فنان، العازف فنان، الممثل فنان، والمسرح دة إسمو أبو الفنون.
ضحك على إسماعيل الكضاب ثم علق:
ـ هسي يا أستاذ، أبو خمسين دة يعني كان فنان لمن كان بمثل دور البوليس (إر المُضِرْ)!؟
ـ أيوة... طبعاً.. مش كل الناس اقتنعوا بيهو لمن في ناس صدقوا إنو بوليس جد جد؟
ـ أيوة ..
ـ خلاص يبقي فنان.
ـ بس يا أستاذ دة هو نفسه صدق إنو بوليس جد جد وجلدني جد جد ما تمثيل!!
ضحك أستاذ عساكر بعد أن عرف بهذه الحكاية لأول مرة ثم قال:
ـ صحيح يا أبو خمسين؟
ـ ما هو ذاتو صدق إنو شماشي جد جد وقعد يشاغل في البنات جد جد. أنا عارفه والله يا أستاذ.
ضحك أستاذ عساكر بعمق ثم قال:
ـ ياخي إنتو ملاعين!
إنتهز شربات الفرصة:
ـ يا أستاذ أنا المرة دي ما عايز دور التاجر. ثم أردف محتجاً:
ـ ما ممكن الجماعة يرقصوا ويهججوا وأنا داخل لي في عمة وجلابية.. وبعدين يا أستاذ الحكاية المرّة دي حتبقى سُخنة..
ضحك أستاذ عساكر مرة أخرى ثم رد:
ـ يا شربات ياخي، في واحد عاقل يتنازل من رتبة تاجر لشماشي!
وكما نعرف، فإن أستاذ عساكر هو المشرف على ما كان يعرف بـ(الجمعيات الأدبية) والنشاطات. وقد قام بدور المخرج لمسرحية (الشماشة) التي فازت بها المدرسة في مسابقة المدارس العام الفائت. تلك المسرحية التي يرجع الفضل في تأليفها لـ(جو) الذي استقاها من الواقع، مطبقاً إعجابه بما قرأه في الكتب (المدسوسة) في بيتهم القروي، ومستغلاً (تجربته) في المشاركة في التمثيل في تمثيليات المدرسة الأولية ـ التي صارت (الإبتدائية) فوق رأسه. والفضل أيضاً ـ يرجع لأولاد قرف، الذين أجادوا التمثيل. أما فضل أستاذ عساكر، فكان في أمرين: الأول، هو كفاحه المرير لإقناع السيد المدير بالمسرحية، فهذا كان يرى فيها خروجاً على (أصول التربية) و(الذوق العام)!! وقد كان مصراً ـ ومعه أستاذ عبد الجليل ـ على المشاركة بمسرحية (صلاح الدين الأيوبي) التي مل الناس من تكرارها، الأمر الذي أضطر أستاذ عساكر أن يضحي ـ في سبيل الشماسة ـ بنقاط مهمة لكنها ساقت إلى الفضل الثاني: فعقب إسقاط بعض الألفاظ، تولى مهمة الإخراج، وابتدع وسائل حركية كانت أبلغ دلالة من الكلام!
فأستاذ عساكر لم يك، في الواقع، أكثر من (جربندي) موهوب. فمعرفته بالإخراج، والمسرح عموماً، ما كانت تتعدى المقدمات النظرية التي درسها في (بخت الرضا). وما التقطه من المداومة على حضور مسرح (جماعة الطليعة) ـ عندما كانت هناك طليعة. وقد تحسر أنه ما كان مهتماً بالموضوع في أيام (التأهيل) ليكتشف (ميوله واتجاهاته) مؤخراً! لذلك، فهو حريص على تجنيب طلابه ـ خاصة هؤلاء الأشقياء ـ غلطة عمره. وها هم سيغادرون المدرسة بعد شهور قلائل، ليصعدوا (السلم التعليمي) الذي قد يفضي بهم إلى الهاوية! ويبقى هو ـ ربما ـ هنا، وفي نفس المكان، يجتر ذكراهم التي قدلا تتكرر.
بلا مقدمات، أخبرهم بأنه وردت إليه طلبات مهولة ـ من الأميرية خاصة ـ تطالب بإعادة المسرحية هذا العام.
أشار شربات لعلي إسماعيل إشارة النصر (ومازال الزحف مستمراً ) ..
بعد أن أكملوا تلعليقاتهم الجانبية، طلب منهم أستاذ عساكر أن يفكروا في الموضوع ولكن اليوم سيكون للمسامرة. ثم ألقى بالسؤال لجو ـ ذلك السؤال الذي فات عليه أن يسأله العام الماضي:
ـ إنت عرفت حكاية الشماشة دي كيف!؟
وقف جو ـ كعادة الطلبة ـ ليجيب، فطلب منه أستاذ عساكر الجلوس قائلاً:
يا جماعة خلو (البساط أحمدي).
قال جو:
ـ كنت في يوم قدام السينما، وشفت الشماشة بمثلوا فيلم أمبارح. وكان أبو طويلة لما يمثل (ديجانقو) يبقى ديجانقو، ولما يمثل (شامي كابور) يبقى شامي كابور. وبعد داك بقيت أمشي كل يوم أعاين.. لمن جا يوم كنت إتاخرت في الداخلية، وحصلت قصة رينقو.. وبعد داك صاحبته وبقى يحكي لي.
ـ يعني إنتو كنتو بتحاكوا الشماشة بس؟
ـ أيوة .. بس أنا كنت شايف رينقو دة ود ذكي جداً، ولو دخل المدرسة ممكن يبقى حاجة، فعملنا حكاية الأستاذ البلاقيهو ويدخلو المدرسة.. يعني عشان الناس يعرفوا أنو الشماشة ديل زي بقية الناس. وممكن يكونوا أحسن!
فتأوه أستاذ عساكروقال:
"تعرف يإبني، إنت تمشي تقرا مسرح طوالي.."
وأضاف:
"يا إبني أي زول ممكن يبقى مدرس زينا كدة، وممكن يبقى مهندس أو دكتور أو ضابط أو حتى رئيس جمهورية. لكن ما أي زول ممكن يبقى فنان".
فتساءل أبو خمسين:
ـ يعني هو حيغني يا أستاذ!؟
ـ لا يا أبو خمسين. كلمة فنان دي ما لازم تعني الغُنا؛ الرسام فنان، العازف فنان، الممثل فنان، والمسرح دة إسمو أبو الفنون.
ضحك على إسماعيل الكضاب ثم علق:
ـ هسي يا أستاذ، أبو خمسين دة يعني كان فنان لمن كان بمثل دور البوليس (إر المُضِرْ)!؟
ـ أيوة... طبعاً.. مش كل الناس اقتنعوا بيهو لمن في ناس صدقوا إنو بوليس جد جد؟
ـ أيوة ..
ـ خلاص يبقي فنان.
ـ بس يا أستاذ دة هو نفسه صدق إنو بوليس جد جد وجلدني جد جد ما تمثيل!!
ضحك أستاذ عساكر بعد أن عرف بهذه الحكاية لأول مرة ثم قال:
ـ صحيح يا أبو خمسين؟
ـ ما هو ذاتو صدق إنو شماشي جد جد وقعد يشاغل في البنات جد جد. أنا عارفه والله يا أستاذ.
ضحك أستاذ عساكر بعمق ثم قال:
ـ ياخي إنتو ملاعين!
إنتهز شربات الفرصة:
ـ يا أستاذ أنا المرة دي ما عايز دور التاجر. ثم أردف محتجاً:
ـ ما ممكن الجماعة يرقصوا ويهججوا وأنا داخل لي في عمة وجلابية.. وبعدين يا أستاذ الحكاية المرّة دي حتبقى سُخنة..
ضحك أستاذ عساكر مرة أخرى ثم رد:
ـ يا شربات ياخي، في واحد عاقل يتنازل من رتبة تاجر لشماشي!