1
اللعبة الصغيرة
سيرة أولاد قِرِف
هب أنك الحاج عثمان سنين، وأنت في الطريق إلى المدرسة الشرقية لزيارة أبنك؛ بعد أن هبطت، قبل قليل، من لوري حاج عمر، القادم لتوه من أم شقايق..
أصلحت عمامتك الوحيدة، وتحسست جُزلانك، وحسبت الجنيهات التي فيه. أخرجت الجنيه "أبوشنة ورنة" إياه! ثم أضفت إليه الخمسين قرشاً التي أوصتك بها زوجتك (بت النور) لدعم مصروف إبنها الشهري، الذي ـ أنت تعرف أنه ـ سوف ينتهي في صباح الغد؛ موزعاً بين الرفاق... ولكنك لم تنزعج؛ قلت لنفسك: "الأولاد يصيرون رجالا هكذا..."، ثم أن إبنك هذا لم يقصر معك في المدرسة، فهو دائما ما يرفع رأسك في طابور نهاية العام. قلت أيضاً: "ما الولد طالع على خاله..."! ومرت بخاطرك أيام صهرك عبد الرحمن النور، خال الولد. فأضفت خمسين قرشاً أخرى قائلاً: "ياخي، خلِّي الأولاد يفرحوا... هي الدنيا فيها شنو؟ خربانة أم قدود"...
ها هم مجموعة من الطلاب جالسين بجوار سور المدرسة، قرب الباب.. وإنت على نية أن تسألهم، إرتبكت!! "أأقول جومو أم النور!؟؟" ولكن لزوم الرسميات، توكلت على الله وقلت النور. فتلفت الطلاب ولم يذكروا شيئاً من الذي تقول!! فلما تنازلت عن الرسميات وقلت جومو؛ ضربوا على جباههم بأيديهم (الحرة) في تلك اللحظة وقالوا بنبرة واحدة:
ـ يا آ .. أنت مما تقول كدة من قبيل!!
قال الطالب المديني منهم:
ـ والله جومو دة قبل شوية كان بهنا.
قال شبه المتمدن:
ـ شوفو في الجنبة التانية ديك .. وأشار إليها:
ـ أما الطالب القروي، فقال:
ـ "أجلس ياعمي.. سأذهب وأبحث عنه وآتيك به"!!
إن الورطة التي دخل فيها الطلاب في البداية، والدقائق التي ضاعت من عمرك إثر الرسميات؛ سببها الأساسي صهرك عبد الرحمن النور ـ مثقف زمن الأحلام ـ الذي فشل في إقناع زوجته ـ بنت الحسب والنسب ـ بأن يسميا ابنهما (جومو) فقام بإسقاط حلمه على ابن أخته؛ التي هي زوجتك! ولكنه طبعاً كفر عن إزعاجه لـ(بت النور) بأن تبرع بخروف آخر للسماية. واستمتع أهل أم شقايق بخروفين بدلاً من خروفك الواحد. ولكن على أية حال؛ ليست هناك مشكلة ـ حسب رأيك ـ فطالما أن أم الولد كانت سرعان ما تتخلى عن الاسم الذي اختارته لابنها ليطابق اسم أبيها ـ وتناديه (جدو)؛ فما فارقه.. جدو وجومو (كله من بعضه).
وطالما ليس لديك اعتراضات أخرى ـ وقد أفلت اللعب من يدك من البداية ـ فإن جومو الآن هو أحد أفراد شلة (أولاد قرف) أو (عصابة قرف) ـ سمها ما شئت ـ واسمع حكايته الخطيرة:
... وقد كان أبرز أفراد الشلة هم: عثمان شربات، وعلى إسماعيل الكضاب، وأحمد سالم أبو خمسين الذي خسر خمسين قرشه مع إحدى اللعوبات بعد أن أخذ (شرة كاربة). هذا بالإضافة لمحمد الشيخ فريني، وسيد شطة، ومصطفى بطيخة السمين..
ثمة مزاجات ومصائر مشتركة جمعت بينهم، على مر العامين ونيف الفائتين، الذين قضوهما في المدرسة الشرقية. إذ لم تك تخلو لستة مهرجلين من أسمائهم قط! وحتى إن غفل (الألفة)، وسُحبت منه اللِّستة بتدبير ما، فإنه لا يجد صعوبة البتة، ويقوم ـ أوتوماتيكياً ـ بتدبيجها مرة أخرى وتقديمها للأستاذ متى مر من هناك.
ولكن هؤلاء (الشياطين)، بالإضافة لذلك، قد ساهموا بقدر كبير في تشويه حيطان المدرسة؛ ابتداءً من جدران الفصول وسقوفها، حتى المراحيض. كتبوا أشعار الغزل، الألفاظ النابية، وأسماء الفتيات بحروفها الأولى. ورسموا تقاسيم أجسادهن كما يفعلون مع الرسومات التوضيحية في دفاتر (العلوم). خاصة بعد أن عرفوا الطريق إلى بيت (زوبا)، وجربوا في الواقع ما كان يحدث بالصابون، أو في الأحلام، ليكلفهم ذلك مشقة الاستحمام في الصباحات الباكرة، (ونشر الغسيل) في أواخر النهارات. وفي الحقيقة، فقد كانوا (البصلة المعفنة) التي كان يبحث عنها (السيد المدير) لإلقائها بعيداً عن بقية البصل! وقد دخل السيد المدير في متاهة ذات يوم وهو يتفقد حيطان المدرسة عقب نهاية اليوم الدراسي ليجد الرسومات الخطرة، بتقاسيمها التي لكل منها جملة أو مقطع شعر يحمل اسمها: فعيون (Z) في سقف الفصل:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فأعجب المدير جداً، رغم اعتراضه على صيغة العبث الجدرانية. وساقه السهم (الدال على ما بعد) إلى تفاصيل نهد (M):
( -------->.. البرتكان نهدك مدردم)
ـ ثم ساقه السهم التالي إلى خصر (F) من الخلف: (--------> الهالكني ...)
ثم ساقه دليل الأسهم إلى المرحاض الثالث، ليجد تفاصيل ما بين فخذي (A):
(--------> و آآآآآآآي ..)
والغريبة أنه لم يجرؤ أحد، من (المؤدبين) الذين يذمون (البذاءة) جهراً، على "إماطة الأذى عن المرحاض"!! بل لوحظ أن هذا المرحاض بالذات قد كثر رواده لدرجة أنه يطفح أحياناً دون رفاقه! مما يكلف (الألطجي) ساعات عمل إضافية، وبالتالي، يكلف سجلات الحكومة وخزينتها أوراقاً وحبراً و(أوفرتايم). على كل حال، هذه قصة.
اللعبة الصغيرة
سيرة أولاد قِرِف
هب أنك الحاج عثمان سنين، وأنت في الطريق إلى المدرسة الشرقية لزيارة أبنك؛ بعد أن هبطت، قبل قليل، من لوري حاج عمر، القادم لتوه من أم شقايق..
أصلحت عمامتك الوحيدة، وتحسست جُزلانك، وحسبت الجنيهات التي فيه. أخرجت الجنيه "أبوشنة ورنة" إياه! ثم أضفت إليه الخمسين قرشاً التي أوصتك بها زوجتك (بت النور) لدعم مصروف إبنها الشهري، الذي ـ أنت تعرف أنه ـ سوف ينتهي في صباح الغد؛ موزعاً بين الرفاق... ولكنك لم تنزعج؛ قلت لنفسك: "الأولاد يصيرون رجالا هكذا..."، ثم أن إبنك هذا لم يقصر معك في المدرسة، فهو دائما ما يرفع رأسك في طابور نهاية العام. قلت أيضاً: "ما الولد طالع على خاله..."! ومرت بخاطرك أيام صهرك عبد الرحمن النور، خال الولد. فأضفت خمسين قرشاً أخرى قائلاً: "ياخي، خلِّي الأولاد يفرحوا... هي الدنيا فيها شنو؟ خربانة أم قدود"...
ها هم مجموعة من الطلاب جالسين بجوار سور المدرسة، قرب الباب.. وإنت على نية أن تسألهم، إرتبكت!! "أأقول جومو أم النور!؟؟" ولكن لزوم الرسميات، توكلت على الله وقلت النور. فتلفت الطلاب ولم يذكروا شيئاً من الذي تقول!! فلما تنازلت عن الرسميات وقلت جومو؛ ضربوا على جباههم بأيديهم (الحرة) في تلك اللحظة وقالوا بنبرة واحدة:
ـ يا آ .. أنت مما تقول كدة من قبيل!!
قال الطالب المديني منهم:
ـ والله جومو دة قبل شوية كان بهنا.
قال شبه المتمدن:
ـ شوفو في الجنبة التانية ديك .. وأشار إليها:
ـ أما الطالب القروي، فقال:
ـ "أجلس ياعمي.. سأذهب وأبحث عنه وآتيك به"!!
إن الورطة التي دخل فيها الطلاب في البداية، والدقائق التي ضاعت من عمرك إثر الرسميات؛ سببها الأساسي صهرك عبد الرحمن النور ـ مثقف زمن الأحلام ـ الذي فشل في إقناع زوجته ـ بنت الحسب والنسب ـ بأن يسميا ابنهما (جومو) فقام بإسقاط حلمه على ابن أخته؛ التي هي زوجتك! ولكنه طبعاً كفر عن إزعاجه لـ(بت النور) بأن تبرع بخروف آخر للسماية. واستمتع أهل أم شقايق بخروفين بدلاً من خروفك الواحد. ولكن على أية حال؛ ليست هناك مشكلة ـ حسب رأيك ـ فطالما أن أم الولد كانت سرعان ما تتخلى عن الاسم الذي اختارته لابنها ليطابق اسم أبيها ـ وتناديه (جدو)؛ فما فارقه.. جدو وجومو (كله من بعضه).
وطالما ليس لديك اعتراضات أخرى ـ وقد أفلت اللعب من يدك من البداية ـ فإن جومو الآن هو أحد أفراد شلة (أولاد قرف) أو (عصابة قرف) ـ سمها ما شئت ـ واسمع حكايته الخطيرة:
... وقد كان أبرز أفراد الشلة هم: عثمان شربات، وعلى إسماعيل الكضاب، وأحمد سالم أبو خمسين الذي خسر خمسين قرشه مع إحدى اللعوبات بعد أن أخذ (شرة كاربة). هذا بالإضافة لمحمد الشيخ فريني، وسيد شطة، ومصطفى بطيخة السمين..
ثمة مزاجات ومصائر مشتركة جمعت بينهم، على مر العامين ونيف الفائتين، الذين قضوهما في المدرسة الشرقية. إذ لم تك تخلو لستة مهرجلين من أسمائهم قط! وحتى إن غفل (الألفة)، وسُحبت منه اللِّستة بتدبير ما، فإنه لا يجد صعوبة البتة، ويقوم ـ أوتوماتيكياً ـ بتدبيجها مرة أخرى وتقديمها للأستاذ متى مر من هناك.
ولكن هؤلاء (الشياطين)، بالإضافة لذلك، قد ساهموا بقدر كبير في تشويه حيطان المدرسة؛ ابتداءً من جدران الفصول وسقوفها، حتى المراحيض. كتبوا أشعار الغزل، الألفاظ النابية، وأسماء الفتيات بحروفها الأولى. ورسموا تقاسيم أجسادهن كما يفعلون مع الرسومات التوضيحية في دفاتر (العلوم). خاصة بعد أن عرفوا الطريق إلى بيت (زوبا)، وجربوا في الواقع ما كان يحدث بالصابون، أو في الأحلام، ليكلفهم ذلك مشقة الاستحمام في الصباحات الباكرة، (ونشر الغسيل) في أواخر النهارات. وفي الحقيقة، فقد كانوا (البصلة المعفنة) التي كان يبحث عنها (السيد المدير) لإلقائها بعيداً عن بقية البصل! وقد دخل السيد المدير في متاهة ذات يوم وهو يتفقد حيطان المدرسة عقب نهاية اليوم الدراسي ليجد الرسومات الخطرة، بتقاسيمها التي لكل منها جملة أو مقطع شعر يحمل اسمها: فعيون (Z) في سقف الفصل:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
فأعجب المدير جداً، رغم اعتراضه على صيغة العبث الجدرانية. وساقه السهم (الدال على ما بعد) إلى تفاصيل نهد (M):
( -------->.. البرتكان نهدك مدردم)
ـ ثم ساقه السهم التالي إلى خصر (F) من الخلف: (--------> الهالكني ...)
ثم ساقه دليل الأسهم إلى المرحاض الثالث، ليجد تفاصيل ما بين فخذي (A):
(--------> و آآآآآآآي ..)
والغريبة أنه لم يجرؤ أحد، من (المؤدبين) الذين يذمون (البذاءة) جهراً، على "إماطة الأذى عن المرحاض"!! بل لوحظ أن هذا المرحاض بالذات قد كثر رواده لدرجة أنه يطفح أحياناً دون رفاقه! مما يكلف (الألطجي) ساعات عمل إضافية، وبالتالي، يكلف سجلات الحكومة وخزينتها أوراقاً وحبراً و(أوفرتايم). على كل حال، هذه قصة.