اول سودانية قامت بزيارة لعاصمة الضباب (لندن) كانت من السديرة ..............الجزء الخامس والاخير
في تاريخ 1-1-1956 أعلن من البرلمان السوداني استقلال السودان عن بريطانيا العظمى ورحل الانجليز حكاماً وجيشاً من بلادنا.....................
وما زالت (الحاجة رقية) بالسرايا بعد أن سحبت وزارة المالية مخصصات وعمال السرايا وحتى الخيول التي تركها لها الخواجة سلمت لقوات السواري.
ولكن الحاجة رقية فتحت السرايا لأبناء بلدها الذين يفدون إلى الخرطوم للعمل أو التعليم أو تعلم حرفة لتساعدهم على العمل في الخرطوم .
كان النظام الذي وضعته الحاجة رقية للإقامة معها بالسرايا كالتالي:
1: كل من قدم من البلد له حق الإقامة معها ثلاث أيام فقط.
2: الطالب له حق الإقامة حتى إنهاء دراسته.
3: الملتحق بتعلم حرفة (نجارة – قيادة سيارات – كهرباء- ميكانيكا – نقاشة .... الخ) له حق الإقامة حتى يجيد حرفته وينزل لسوق العمل .
4:المريض ومرافقه لهم حق الإقامة حتى يشفى المريض .
هذا بالإضافة للقوانين الداخلية (ممنوع السهر ، ممنوع الحضور متأخراً ،ممنوع ... وممنوع .... كل ما يسئ لسمعة أبناء البلد من أفعال شرخ الشباب الطائش)
تخرج كثير من أهلنا من مدرسة (حاجة رقية) حاملاً تعليماً أو حرفة في يده كانت مصدر رزقه في حياته منهم من التحق بالرفيق الأعلى عليهم الرحمة ومنهم ما زال عائشاً وبيننا أمد الله في أعمارهم .
((لك الرحمة يا حاجة رقية فقد كنت امرأة عظيمة))
هناك دور آخر للحاجة رقية بعد انقلاب الجيش السوداني على الحكومة عام 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود.
فتحت الحاجة رقية أبواب السرايا لقادة وممثلي الأحزاب السودانية المعارضة لنظام عبود للاجتماع ليلاً بالسرايا لموقعها في وسط العاصمة المثلثة .
وكان من الذين يترددون على السرايا بغرض معارضة النظام الديكتاتوري العسكري والتخلص منه :
(( السيد المفتي – السيد المرضي – السيد حسن عوض الله- شيخ علي عبد الرحمن – حاج مضوي محمد احمد – والشيخ صالح عبد القادر( والد الدكتور عبد الحميد ) والذي تطرق إلى ذكره عزيزي / محمد قسم السيد حمد )
قال محمد قسم السيد : ((عندما كنت في سجن كوبر مسجوناً في عهد الرئيس نميري كان من ضمن رفقائنا الدكتور / عبد الحميد صالح صاحب دار الشفاء .
الذي عندما علم أنني من السديرة قال لي : (( هل تعرف الحاجة رقية من السديرة ))
وعندما رديت بالإيجاب وأنها حبوبتي قال لي : (( بلغ سلامي إلى ماما رقية )).
فعلاً كانت والدته التي ربته لان والده الشيخ / صالح عبد القادر عهد إليها بتربيته
بعد أن علمت سلطات العسكر باجتماعاتهم في السرايا قامت بتأميم السرايا والقبض على من كان مجتمعا ً بها وقت المداهمة وطردت الحاجة رقية منها .
واخذ الشيخ / صالح عبد القادر الحاجة رقية إلى منزله (موقع مستشفى دار الشفا الحالي شرق شارع القصر الجمهوري)
وعهد إليها بتربية ابنه الدكتور / عبد الحميد صالح كما ذكر آنفاً.
لم يقم احد من أهل الحاجة رقية أو الخواجة أو معارفهما بتسجيل السرايا باسمها في مصلحة الأراضي بالخرطوم وضاعت تلك الفرصة على كافة أبناء العسيلات في حق امتلاك أرضاً مميزة وموقعها في مقرن النيلين علماً بان الحاجة رقية كان كل أبناء وبنات العسيلات أبنائها.
تقدم العمر بالحاجة رقية وعادت إلى السديرة وسكنت في منزلها الذي يتوسط منازل أخوها حاج / محمد كيقة وأخواتها / مكة ورابعة . ومازال هذا المنزل موجوداً حتى اللحظة.
رزق الحاج / محمد بابكر (الدقدق) ببنتين توأم (عرفة – منى ) وصلة قرابة الحاجة رقية مع (الدقدق) هي خالته الغير شقيقة لامه وكان يناديها (يمة الحاجة)
وفي يوم فطام التومات طلب (الدقدق) من خالته أن تقبل إحدى التومات بنتاً لها وان يكسب هو تربية ( الحاجة رقية) لإحدى بناته .
أخذت الحاجة رقية (عرفة ) وأخذتها معها إلى منزلها ،كنا نعرف وننادي (عرفة) عليها الرحمة بنت (حاجة رقية) والى اليوم الكثير والكثير جداً من أهالي السديرة يعرفون أن عرفة بنت النميرية الحاجة رقية،أحسنت تربيتها .
وكانت عرفة ملكة بنات الفريق بل ملكة بنات القرية كلها (أدب وأخلاق وطيبة وكرم وخصها الله بجمال الأخلاق والخلقة).
كنا مجموعة في المرحلة المتوسطة (وعرفة بنت حاجة رقية ما زالت صغيرة)
نحضر للحاجة رقية في منزلها بعد صلاة العشاء ونجلس حولها أرضاً وهي على عنقريبها وبجانبها بنتها عرفة نائمة .
وتبدأ الحاجة رقية درس اللغة الانجليزية لنا من تصحيح نطقا ً ومعناً وطريقة استعمال الكلمات الانجليزية ، وفي أي موقع من الجملة وبلكنة انجليزية كما نسمعها من هيئة الإذاعة البريطانية القسم الانجليزي(BBC).
ما اذكره أنها كانت تقول لنا يا أولادي الانجليز مؤدبين إذا تحدثت مع احد الخواجات ولم تستخدم كلمة من الأربعة كلمات أدناه يعتبرك أهنته
والكلمات هي :
1: Excuse me ............... (لو سمحت).
2: Sorry..........................(متأسف).
3: Thank you ................ (شكراً).
4: Please........................(من فضلك).
كانت تقول لنا لا تقولوا يا أبنائي لأي شخص تريد حضوره Come here بل قول له Could you Please Come Here
هكذا يتحدث الانجليز يا أبنائي.
وبعد نهاية الدرس كانت تقص لنا القصص الشيقة كما جاءت في أول هذا السفر، وذلك للقضاء على ملل الدروس ، هذه القصص التي تقصها علينا الحاجة رقية جذبت البعض من غير الطلبة للحضور معنا ، وكانت تقول لهم من لم يكن طالباً غير مسموح له بالتحدث ، وإذا تحدث يطرد فوراً ، ولا يعصى أحد من أهل الحي كلمة للحاجة رقية .
كان لدى الحاجة رقية عدد كبير من الغنم (الماعز) وعند عودة أهالي الحي من حقولهم على دوابهم يحملون العلف الأخضر (قش – قصب - لوبيا) لحيواناتهم، ولكن قبل وصولهم إلى منازلهم يعرجون على منزل الحاجة رقية أو يرسلون أبنائهم لتزويد غنم الحاجة رقية بحصتهم من العلف.
وفي بعض الأحيان عندما يكون احد الأهالي لم يذهب إلى حقله في ذلك اليوم يذهب إلى منزل حاجة رقية ويأخذ ما يكفي غنمه منها لتوفر العلف عندها من جميع أهل القرية .
كانت الحاجة رقية توزع مجاناً ما فاض عن حاجتها من اللبن ومنتجاته على أهل الحي واذكر بعد أن أصبحت عرفة صبية كانت تقوم بالطواف على منازل المحتاجين من أهل الحي لتقدم لهم ما أعطته إياهم الحاجة رقية.
تزوجت عرفة وأصرت والدتها الحاجة رقية أن تكون مراسم الزواج في منزل والديها ، وبعد انتقال عرفة إلى منزل زوجها، أصبحت الحاجة رقية وحيدة وأصرا عليها أبناء أختها (الدقدق وشقيقه الهدي) بالرحول معهما والإقامة عندهم وكانت عليها الرحمة قد بلغت الشيخوخة، وعندهما التحقت بالرفيق الأعلى بعد حياة حافلة بالعطاء وسيرة طيبة تناقلتها أجيال وأجيال والى جنات الخلد .
((الحاجة رقية كانت امراة عظيمة ، محترمة من الرجال والنساء من الصغير والكبير ، تركت صورة جميلة ومشرفة لكل امرأة سودانية وفخرا لكل عسيلاوية ، لك الرحمة يا أم الكل))
ملاحظة :
في حالة حصولي على بعض مستنداتها ومقتنياتها الخاصة وصورها سوف أزود متصفحي ومشتركي المنتدى بها...
ولكم جزيل الشكر،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
احمد البخيت موسى
الرياض - يوليو 2008