العمدة حاج عباس
في مثل هذا اليوم وقبل 18 عاماً أي في 25 ديسمبر 1990م والعالم كله يحتفل باعياد الميلاد(الكريماس) ودعت السديرة أحد رجالاتها الافذاذ وعمدتها، العمدة حاج عباس الي مثواه الاخير، فقد كان الفقيد أحد اعلام المنطقة ورمز من رموزها الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخها ، فقد خاض أشد المعارك في سبيل قضايا المنطقة والقبيلة فقد كان يسهم بماله ونفسه في الدفاع عنها ودفع ثمناً غالياً جراء مواقفه هذه ، فقد دخل السجن ولمدة عام كامل في سبيل قضية العسيلات الشهيرة ووقف موقفاً مشرفاً وبطولياً في قضية اضراب المزارعين بالجزيرة التي وصلت الي أعلي المستويات حتي رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ، اذ كان موقفه منحازاً للمزارعين ولقضيتهم.
ومثلي لايستطيع ان يوثق لهذا الرجل ولاحتي من يكبرني سناً ، لان الرجل كانت تكسوه هيبة وصرامة شديدتين بحيث لايستطيع أحد الغوص في دواخله أو الاقتراب منه، وأنا شخصياً لا اتذكر ان قال لي شئياً غير مرة سالني ، حسب الرسول انت بتقرأ في سنة كم؟ وكنت ساعتها ارجف كالقصبة ً ، لاننا كنا نتجنبه تماما ولانقترب منه اصلا.، ولكن هذا لايمنعني ان أقول بعض ماعرفته عن هذه الشخصية الحادة في صرامتها مع كل من حوله سواء كان داخل بيته أو في محيط السديرة أوحتي مع المسؤلين الذين كان يلتقي بهم بحكم المسؤلية التي كان يتقلدها ، فقد رويت أحاديث كتيرة عن صرامته هذه ، فحتي الديوان الذي كان يستقبل فيه ضيوفه والمسؤلين ،ومازال الديوان موجودا وبنفس الهئية، هذا الديوان يسمي ( المحكمة) وقد سألت عن سبب هذه التسمية فجأتني روايتين احدهما تقول انه فعلا كان بمثابة محكمة حيث كان العمدة يفصل في المنازعات التي تنشأ بين أفراد المنطقة ، ورواية أخري تقول سبب التسمية يرجع لصرامة صاحبه حيث لايدخل عليه أحد الا وخرج بعقوبة ولايسلم من ذلك حتي أبناءه ، وفي ذلك يحكي ذات مرة دخل عليه ابنه الاكبر امحمد وهو داخل محكمته هذه وعندما هم بالخروج طلب منه أن يعمل راكوبة للناقة تقيها حرارة الشمس وكانت الناقة خاصة به حيث كان يشرب حليبها، فما كان من امحمد الا ان قال حاضر، لانه لايستطيع احد ان يجرؤ ويقول هذا ممكن وهذا غير ممكن ، وبمجرد ان خرج صاحبنا رأسه ضرب ،وبدا يسال نفسه:ياربي راكوبة الناقة دي يعملوها كيف ا؟؟ وجاء الي الجماعة يطلب منهم المساعدة في عمل الراكوبة ، ولكنهم انفجروا بالضحك عليه وقالوا له : والله نحنا ماشفنا ولابنعرف للناقة راكوبة ، يازول اتصرف بطريقتك...هذه احدي الحكاوي التي وردت من داخل بيته، وعن مواقفة المتشددة والمتصلبة في القضايا العامة ، قضية المزارعين التي ذكرتها أعلاه تروي الحكاية وتقول : انه في اضراب المزارعين الشهير ابَان حكومة اسماعيل الازهري حيث أوفدت الحكومة وزيراً يتفاوض مع المزارعين ورجال الادارة الأهلية بغرض رفع الاضراب ومواصلة العمل ولكن العمدة حاج عباس كان علي رأس المجموعة التي ترفض رفع الاضراب ودخل في مشادة كلامية مع الوزير، فماكان من ذلك الوزير الا أن ابلغ الحكومة بأن عمدة السديرة يحرض المزارعين علي الاضراب ويرفض أي حلول ، فبعثت له الحكومة بمذكرة تهدده بخلع العمودية عنه ، فقد قابل تلك الرسالة بتحدي ورفض العدول عن موقفه الذي كان يري فيه أنه حقاً أصيلا من حقوق المزارعين.
وقد كان الرجل بالرغم من يسر الحال وطيب العيش الذي كان فيه مكداً ومجداً وكان يحث أبناءه علي العمل الجاد والمتواصل ، وكان يتبع نظاماً اقتصاديا لم أجد له وصفاً ادق مثل ما وصفه لي المرحوم احمد حمد حجازي عليه الرحمة اذ حكي لي ذات مرة ان حاج عباس كان امبراطورية أشبه بالاتحاد السوفيتي ،أي كان يوزع المسؤليات علي أبنائه بالتساوي وكل الايرادات تصب في خزينة وأحدة وتوزع علي افراد عائلته بالتساوي ولا يملك شخصاً منهم حقاً خاصاً به،أي نظام اشتراكي كامل الدسم، وكان لايرحم كل من يقصر في واجباته ولايحب ان يري احداً جالساً بدون عمل أو يري أحداً نائماً ، فقد حكي أبناؤه انه اذا اراد أحدهم ان ينام بالنهار عليه ان يبحث له عن مكان خارج البيت.
الحكايات والمواقف لهذا الرجل كما ذكرت لايستطيع أحدا مثلي ان يرويها ولاتسع هذه السطور مواقفه وتجاربه وارثه الذي تركه ولكن كانت مجرد محاولة لذكري رحيله ، أتمني ان اجد الفرصة والمعلومات الوفيرة التي تمكننا من التوثيق له باعتباره أحد اعلام المنطقة البارزين..
الارحم الله العمدة حاج عباس واسكنه فسيح جناته ونسأل الله ان يجعل الخير و البركة في ذريته واحفاده.
في مثل هذا اليوم وقبل 18 عاماً أي في 25 ديسمبر 1990م والعالم كله يحتفل باعياد الميلاد(الكريماس) ودعت السديرة أحد رجالاتها الافذاذ وعمدتها، العمدة حاج عباس الي مثواه الاخير، فقد كان الفقيد أحد اعلام المنطقة ورمز من رموزها الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخها ، فقد خاض أشد المعارك في سبيل قضايا المنطقة والقبيلة فقد كان يسهم بماله ونفسه في الدفاع عنها ودفع ثمناً غالياً جراء مواقفه هذه ، فقد دخل السجن ولمدة عام كامل في سبيل قضية العسيلات الشهيرة ووقف موقفاً مشرفاً وبطولياً في قضية اضراب المزارعين بالجزيرة التي وصلت الي أعلي المستويات حتي رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ، اذ كان موقفه منحازاً للمزارعين ولقضيتهم.
ومثلي لايستطيع ان يوثق لهذا الرجل ولاحتي من يكبرني سناً ، لان الرجل كانت تكسوه هيبة وصرامة شديدتين بحيث لايستطيع أحد الغوص في دواخله أو الاقتراب منه، وأنا شخصياً لا اتذكر ان قال لي شئياً غير مرة سالني ، حسب الرسول انت بتقرأ في سنة كم؟ وكنت ساعتها ارجف كالقصبة ً ، لاننا كنا نتجنبه تماما ولانقترب منه اصلا.، ولكن هذا لايمنعني ان أقول بعض ماعرفته عن هذه الشخصية الحادة في صرامتها مع كل من حوله سواء كان داخل بيته أو في محيط السديرة أوحتي مع المسؤلين الذين كان يلتقي بهم بحكم المسؤلية التي كان يتقلدها ، فقد رويت أحاديث كتيرة عن صرامته هذه ، فحتي الديوان الذي كان يستقبل فيه ضيوفه والمسؤلين ،ومازال الديوان موجودا وبنفس الهئية، هذا الديوان يسمي ( المحكمة) وقد سألت عن سبب هذه التسمية فجأتني روايتين احدهما تقول انه فعلا كان بمثابة محكمة حيث كان العمدة يفصل في المنازعات التي تنشأ بين أفراد المنطقة ، ورواية أخري تقول سبب التسمية يرجع لصرامة صاحبه حيث لايدخل عليه أحد الا وخرج بعقوبة ولايسلم من ذلك حتي أبناءه ، وفي ذلك يحكي ذات مرة دخل عليه ابنه الاكبر امحمد وهو داخل محكمته هذه وعندما هم بالخروج طلب منه أن يعمل راكوبة للناقة تقيها حرارة الشمس وكانت الناقة خاصة به حيث كان يشرب حليبها، فما كان من امحمد الا ان قال حاضر، لانه لايستطيع احد ان يجرؤ ويقول هذا ممكن وهذا غير ممكن ، وبمجرد ان خرج صاحبنا رأسه ضرب ،وبدا يسال نفسه:ياربي راكوبة الناقة دي يعملوها كيف ا؟؟ وجاء الي الجماعة يطلب منهم المساعدة في عمل الراكوبة ، ولكنهم انفجروا بالضحك عليه وقالوا له : والله نحنا ماشفنا ولابنعرف للناقة راكوبة ، يازول اتصرف بطريقتك...هذه احدي الحكاوي التي وردت من داخل بيته، وعن مواقفة المتشددة والمتصلبة في القضايا العامة ، قضية المزارعين التي ذكرتها أعلاه تروي الحكاية وتقول : انه في اضراب المزارعين الشهير ابَان حكومة اسماعيل الازهري حيث أوفدت الحكومة وزيراً يتفاوض مع المزارعين ورجال الادارة الأهلية بغرض رفع الاضراب ومواصلة العمل ولكن العمدة حاج عباس كان علي رأس المجموعة التي ترفض رفع الاضراب ودخل في مشادة كلامية مع الوزير، فماكان من ذلك الوزير الا أن ابلغ الحكومة بأن عمدة السديرة يحرض المزارعين علي الاضراب ويرفض أي حلول ، فبعثت له الحكومة بمذكرة تهدده بخلع العمودية عنه ، فقد قابل تلك الرسالة بتحدي ورفض العدول عن موقفه الذي كان يري فيه أنه حقاً أصيلا من حقوق المزارعين.
وقد كان الرجل بالرغم من يسر الحال وطيب العيش الذي كان فيه مكداً ومجداً وكان يحث أبناءه علي العمل الجاد والمتواصل ، وكان يتبع نظاماً اقتصاديا لم أجد له وصفاً ادق مثل ما وصفه لي المرحوم احمد حمد حجازي عليه الرحمة اذ حكي لي ذات مرة ان حاج عباس كان امبراطورية أشبه بالاتحاد السوفيتي ،أي كان يوزع المسؤليات علي أبنائه بالتساوي وكل الايرادات تصب في خزينة وأحدة وتوزع علي افراد عائلته بالتساوي ولا يملك شخصاً منهم حقاً خاصاً به،أي نظام اشتراكي كامل الدسم، وكان لايرحم كل من يقصر في واجباته ولايحب ان يري احداً جالساً بدون عمل أو يري أحداً نائماً ، فقد حكي أبناؤه انه اذا اراد أحدهم ان ينام بالنهار عليه ان يبحث له عن مكان خارج البيت.
الحكايات والمواقف لهذا الرجل كما ذكرت لايستطيع أحدا مثلي ان يرويها ولاتسع هذه السطور مواقفه وتجاربه وارثه الذي تركه ولكن كانت مجرد محاولة لذكري رحيله ، أتمني ان اجد الفرصة والمعلومات الوفيرة التي تمكننا من التوثيق له باعتباره أحد اعلام المنطقة البارزين..
الارحم الله العمدة حاج عباس واسكنه فسيح جناته ونسأل الله ان يجعل الخير و البركة في ذريته واحفاده.