الفنان عثمان حسين من قامات الفن السوداني. وهو صاحب تجربة غنية في الغناء والشعر. وسجلت سيرته في تاريخ الفن السوداني بأحرف ناصعة. عثمان حسين محمد التوم هو الاسم الكامل للفنان عثمان حسين الذي ولد في قرية «مقاشي» في أقصى بلاد الشمال. والدته فاطمة الحسن كرار. وعند بلوغه سن الخامسة من العمر، وكعادة أهل السودان، ألحقوه بخلوة الشيخ محمد احمد ود الفقير، لكنه لم يدرس فيها سوى عامين حتى انتقل إلى الخرطوم ملتحقاً مع الأسرة بوالده الذي كان يعمل في مصلحة الزراعة.
مقهى «العيلفون» فتح له بوابة الموسيقا والألحان الجميلة
على أعتاب تخطيط العاصمة آنذاك استغلت الأسرة سكنا في ديم التعايشة ليلتحق الطفل عثمان مرة أخرى بخلوة الشيخ محمد احمد ولينتقل بعد عام ونصف العام الى مدرسة الديم شرق الأولية التي اكمل فيها سنوات دراسته الأولى لكنه لم يوفق في الدخول الى المدارس الوسطى التي تفضل التلاميذ الحاصلين على معدل جيد، فعثمان لم يكن يحب مادة الرياضيات وشغلته هواية كرة القدم التي كان مولعاً بها. وبعثه والده لتعلم صنعة يتكسب منها عيشاً، فاتجه لتعلم حياكة الملابس «الخياطة» في دكان محمد صالح زهري باشا جوار نادي العمال الكائن الآن في وسط الخرطوم. لكن الصبي الخياط استهوته مسألة أخرى جعلته يدمن التسكع بين مقهى العيلفون ليستمع للأغنيات التي ظهرت حينها لفناني السودان أمثال كرومة الكروان، وسرور، وخليل فرح عبر راديو المقهى والاسطوانات.
ولم ينس عثمان تلك الأغنية التي ظل متأثراً بها لفترة طويلة وهي قصيدة عمر بن ابي ربيعة «أعبدة.. ماينسى مودتك القلب» التي سجلها خليل فرح في اسطوانة.. وتطورت العلاقة في ما بينه وعامل المقهى الذي يدير الاسطوانات لرواد المقهى، ليتمادى عثمان في طلب السماع للاسطوانات “عزة” لخليل فرح، وأغنية «وين مثلك في علاك ياالساكن جبال التاكا» للفنانة عائشة موسى الفلاتية، واغنية بصوت اسماعيل عبدالمعين وهي «قابلتو مع البياح»..
ورغم العقاب الساخن الذي وجده عثمان من صاحب العمل إلا ان الحادثة لم تثنه عن زيارة المقهى، ولم تكبح جماحه لسماع المزيد من الأغنيات.
رحيل
ارتحلت الأسرة في ذلك الوقت من ديم التعايشة الى منزل الوالد الجديد في حي السجانة ليكون الانتقال للعمل مع خياط جديد، لكنها فترة عمل قصيرة وسرعان ما أنشأ له والده محلاً للخياطة خاصاً به.. وتعرف في تلك الفترة الى أحمد المصطفى ليصبح أحد أصدقائه بالإضافة إلى أصدقاء “الشلّة” الذين يصفهم عثمان بالتحضر والمستوى العالي، والمطلعين على قضايا في الأدب والسياسة.. وأصبح «دكانه» منتدى لهؤلاء الأصدقاء الذين ينتقلون في وقت متأخر من الليل إلى منزل بالإيجار يقع بالقرب من سوق السجانة ليكون سمرهم وأنسهم هناك، فاشترى عثمان عوداً ثمنه “150 قرشاً” ويتعرف الى يحيى إبراهيم زهري باشا فيقومون مع المجموعة المكونة من أحمد عثمان، وعوض محجوب بمطالعة المدونات الموسيقية مع محمد إسماعيل بادي الذي كانت له مقطوعات موسيقية في الإذاعة ليتعلم عثمان حسين جزءاً يسيراً من فنون العود، إضافة الى نهله من أساتذة آخرين مثل شعلان «عازف الترمبيت» وحسني إبراهيم، ومصطفى كامل.. إضافة إلى عبدالحميد يوسف.
ولم يكن عثمان حسين ليقف عند خليل فرح، وكرومه، وسرور، وأحمد المصطفى، وحسن عطية، والكاشف كفنانين من السودان بل جذبته الحان محمد عبدالوهاب، وجذبته السينما فعشق الأفلام المصرية التي كانت تحتشد بالأُغنيات مثل «يوم سعيد»، «الوردة البيضاء» و«غزل البنات» وكان يحب الاستماع لأغنية «عاشق الروح» التي يعتبرها من أجمل ما لحن عبدالوهاب إضافة إلى «النهر الخالد». وعندما اجاد العزف على العود عمل مع الفنان عبدالحميد يوسف في الحفلات بعيداً عن معرفة والده.
الإذاعة
كان طه حسين شقيق عثمان يعمل في مطبعة «ماركوديل» في وسط الخرطوم ومجلة الإذاعة السودانية «هنا أم درمان» التي تطبع في تلك المطبعة. وذات يوم جاء متولي عيد مدير الإذاعة لاستلام نسخة من «هنا أم درمان» فسأل طه عن معرفته ببعض الأصوات التي يراها قادرة على التغني في الإذاعة فلم يتوان في تقديم شقيقه عثمان الذي وافق بتحفظ. وسانده طه مشجعاً ليدفعه لدخول ردهات الإذاعة وليس في رصيده غير أغنية «أذكريني يا حمامة».
دخل عثمان حسين الإذاعة ليعرض صوته على لجنة الاستماع المكونة من الاساتذة فوراوي، وسعد الدين فوزي، متولي عيد، حلمي إبراهيم، ابوعاقلة يوسف، ومحمد عبدالرحمن الخانجي ليستمعوا إلى «اذكريني يا حمامة». وظن بعدها عثمان حسين انه اخفق وساورته الشكوك، الا أن متولي عيد وفوراوي أشادا به بصورة شخصية منحته الشجاعة على تكرار التجربة، ولكن هذه المرة بقصيدة ملحنة من عنده بعنوان «حارم وصلي مالك يا المفرد كمالك» كأول الألحان في مشواره الفني.
قوبلت أغنياته الوليدة بتردد لكن ذلك لم يثنه عن المضي قدماً في طريق الألحان، فهو موهوب ومتى ما اقتنع بلحنه مضى غير عابئ إلا من مشورة بعض الموسيقيين، وكانت هذه المشوره تمثل له المرآة وكان يستشير الموسيقيين الكبار مثل عبدالله عربي، عبدالفتاح الله جابو، رابح حسن بابكر المحامي، حسن خواض، حسن بابكر، حمزة سعيد، موسى إبراهيم «عازف البيكلو»، وإبراهيم عبدالوهاب، وخميس مقدم.
بعد ذلك قدم له شقيقه طه حسين قصيدة للشاعر قرشي محمد حسن «اللقاء الأول» التي نشرها في مجلة «هنا أم درمان» وكتب عليها «للتلحين». وصار يأتي الى دكانه عدد من المثقفين، من بينهم علي المك ود. احمد ابو الفتوح ود. مشعال ود. عبدالحليم محمد.
بدأ اسم الشاعر عثمان حسين يلمع وتزداد أغنياته شيوعاً وانتشاراً، إن مسيرة عثمان حسين كتاب ضخم، صفحاته متعددة، يتصفح فيها القارىء والمطالع رحلة مجد كبير بناه بتضحيته، وصقل موهبته، وصبره. والتقى مع محجوب شريف «شاعر الشعب» في عمل يقول عنه عثمان انه ينتظر ان يخرج للناس كعمل عظيم يخلد به مسيرته الفنية في أذهان الناس الذين عشقوا فنه، وإبداعه.. كما لايزال يراوده شوق الأغنيات القديمة
له الرحمه ----------------------------------------------------------امين ----------------------
مقهى «العيلفون» فتح له بوابة الموسيقا والألحان الجميلة
على أعتاب تخطيط العاصمة آنذاك استغلت الأسرة سكنا في ديم التعايشة ليلتحق الطفل عثمان مرة أخرى بخلوة الشيخ محمد احمد ولينتقل بعد عام ونصف العام الى مدرسة الديم شرق الأولية التي اكمل فيها سنوات دراسته الأولى لكنه لم يوفق في الدخول الى المدارس الوسطى التي تفضل التلاميذ الحاصلين على معدل جيد، فعثمان لم يكن يحب مادة الرياضيات وشغلته هواية كرة القدم التي كان مولعاً بها. وبعثه والده لتعلم صنعة يتكسب منها عيشاً، فاتجه لتعلم حياكة الملابس «الخياطة» في دكان محمد صالح زهري باشا جوار نادي العمال الكائن الآن في وسط الخرطوم. لكن الصبي الخياط استهوته مسألة أخرى جعلته يدمن التسكع بين مقهى العيلفون ليستمع للأغنيات التي ظهرت حينها لفناني السودان أمثال كرومة الكروان، وسرور، وخليل فرح عبر راديو المقهى والاسطوانات.
ولم ينس عثمان تلك الأغنية التي ظل متأثراً بها لفترة طويلة وهي قصيدة عمر بن ابي ربيعة «أعبدة.. ماينسى مودتك القلب» التي سجلها خليل فرح في اسطوانة.. وتطورت العلاقة في ما بينه وعامل المقهى الذي يدير الاسطوانات لرواد المقهى، ليتمادى عثمان في طلب السماع للاسطوانات “عزة” لخليل فرح، وأغنية «وين مثلك في علاك ياالساكن جبال التاكا» للفنانة عائشة موسى الفلاتية، واغنية بصوت اسماعيل عبدالمعين وهي «قابلتو مع البياح»..
ورغم العقاب الساخن الذي وجده عثمان من صاحب العمل إلا ان الحادثة لم تثنه عن زيارة المقهى، ولم تكبح جماحه لسماع المزيد من الأغنيات.
رحيل
ارتحلت الأسرة في ذلك الوقت من ديم التعايشة الى منزل الوالد الجديد في حي السجانة ليكون الانتقال للعمل مع خياط جديد، لكنها فترة عمل قصيرة وسرعان ما أنشأ له والده محلاً للخياطة خاصاً به.. وتعرف في تلك الفترة الى أحمد المصطفى ليصبح أحد أصدقائه بالإضافة إلى أصدقاء “الشلّة” الذين يصفهم عثمان بالتحضر والمستوى العالي، والمطلعين على قضايا في الأدب والسياسة.. وأصبح «دكانه» منتدى لهؤلاء الأصدقاء الذين ينتقلون في وقت متأخر من الليل إلى منزل بالإيجار يقع بالقرب من سوق السجانة ليكون سمرهم وأنسهم هناك، فاشترى عثمان عوداً ثمنه “150 قرشاً” ويتعرف الى يحيى إبراهيم زهري باشا فيقومون مع المجموعة المكونة من أحمد عثمان، وعوض محجوب بمطالعة المدونات الموسيقية مع محمد إسماعيل بادي الذي كانت له مقطوعات موسيقية في الإذاعة ليتعلم عثمان حسين جزءاً يسيراً من فنون العود، إضافة الى نهله من أساتذة آخرين مثل شعلان «عازف الترمبيت» وحسني إبراهيم، ومصطفى كامل.. إضافة إلى عبدالحميد يوسف.
ولم يكن عثمان حسين ليقف عند خليل فرح، وكرومه، وسرور، وأحمد المصطفى، وحسن عطية، والكاشف كفنانين من السودان بل جذبته الحان محمد عبدالوهاب، وجذبته السينما فعشق الأفلام المصرية التي كانت تحتشد بالأُغنيات مثل «يوم سعيد»، «الوردة البيضاء» و«غزل البنات» وكان يحب الاستماع لأغنية «عاشق الروح» التي يعتبرها من أجمل ما لحن عبدالوهاب إضافة إلى «النهر الخالد». وعندما اجاد العزف على العود عمل مع الفنان عبدالحميد يوسف في الحفلات بعيداً عن معرفة والده.
الإذاعة
كان طه حسين شقيق عثمان يعمل في مطبعة «ماركوديل» في وسط الخرطوم ومجلة الإذاعة السودانية «هنا أم درمان» التي تطبع في تلك المطبعة. وذات يوم جاء متولي عيد مدير الإذاعة لاستلام نسخة من «هنا أم درمان» فسأل طه عن معرفته ببعض الأصوات التي يراها قادرة على التغني في الإذاعة فلم يتوان في تقديم شقيقه عثمان الذي وافق بتحفظ. وسانده طه مشجعاً ليدفعه لدخول ردهات الإذاعة وليس في رصيده غير أغنية «أذكريني يا حمامة».
دخل عثمان حسين الإذاعة ليعرض صوته على لجنة الاستماع المكونة من الاساتذة فوراوي، وسعد الدين فوزي، متولي عيد، حلمي إبراهيم، ابوعاقلة يوسف، ومحمد عبدالرحمن الخانجي ليستمعوا إلى «اذكريني يا حمامة». وظن بعدها عثمان حسين انه اخفق وساورته الشكوك، الا أن متولي عيد وفوراوي أشادا به بصورة شخصية منحته الشجاعة على تكرار التجربة، ولكن هذه المرة بقصيدة ملحنة من عنده بعنوان «حارم وصلي مالك يا المفرد كمالك» كأول الألحان في مشواره الفني.
قوبلت أغنياته الوليدة بتردد لكن ذلك لم يثنه عن المضي قدماً في طريق الألحان، فهو موهوب ومتى ما اقتنع بلحنه مضى غير عابئ إلا من مشورة بعض الموسيقيين، وكانت هذه المشوره تمثل له المرآة وكان يستشير الموسيقيين الكبار مثل عبدالله عربي، عبدالفتاح الله جابو، رابح حسن بابكر المحامي، حسن خواض، حسن بابكر، حمزة سعيد، موسى إبراهيم «عازف البيكلو»، وإبراهيم عبدالوهاب، وخميس مقدم.
بعد ذلك قدم له شقيقه طه حسين قصيدة للشاعر قرشي محمد حسن «اللقاء الأول» التي نشرها في مجلة «هنا أم درمان» وكتب عليها «للتلحين». وصار يأتي الى دكانه عدد من المثقفين، من بينهم علي المك ود. احمد ابو الفتوح ود. مشعال ود. عبدالحليم محمد.
بدأ اسم الشاعر عثمان حسين يلمع وتزداد أغنياته شيوعاً وانتشاراً، إن مسيرة عثمان حسين كتاب ضخم، صفحاته متعددة، يتصفح فيها القارىء والمطالع رحلة مجد كبير بناه بتضحيته، وصقل موهبته، وصبره. والتقى مع محجوب شريف «شاعر الشعب» في عمل يقول عنه عثمان انه ينتظر ان يخرج للناس كعمل عظيم يخلد به مسيرته الفنية في أذهان الناس الذين عشقوا فنه، وإبداعه.. كما لايزال يراوده شوق الأغنيات القديمة
له الرحمه ----------------------------------------------------------امين ----------------------