منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل


منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل

منتديات السديرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السديرةدخول

في الطريق إلى المدرسة !!..

power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد
+13
حسن على عباس
ساره بشري
ودالفكى ابراهيم
هيثم حسن
اسيل احمد
محمد بركات احمد
makarim
Samir AlSoNi
أبوعمار العمدة
ياسين جارالنبي
ابو قدير
الريح قدوم
عبدالغني كرم الله
17 مشترك

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz

تاكسي الهنتر
مذكرات حمدان ود فضل المولى
(توثيق لمهنة سائق تاكسي)

كنت اسوق تاكسي الهنتر، موديل 77، أصفر فاقع كبقرة القرآن، يسر دخله الطيب حينها، بتول وفاطمة وجدي سعد حين أعود للحلة محمل بالموز والجزال والمسوايك عصرية كل خميس.

في غبشة الفجر، كنت أشغل المكنة قبيل الانطلاق، ، فأنا السائق والميكانكي والبنجري معا، اشتريته بالتقسيط من شركة الخواجة برسيميان، تبدو المدينة هادئة، ولم يخلق الله بعد حي الازهري، والرياض، وكافوري، وزحمة العربي والأفرنجي، كانت الخرطوم صغيرة كقلب فتاة، وحرة تسكر وتعبد وتعربد في آن واحد، فقد كانت خارجة للتو من تربية أنجليزية، حيث توجد قهوة التومة ومشربها بالقرب من الجامع الكبير.. ولا يفصل بين القهوة، والتي تقدم الشاي والمريسة، والجامع سوى خط الترام، والذي يمضي قدما، ل"مدينة الحنين والسراب"، أم در، كما يسميها العبقري الصغير، معاوية نور، وأقول صغير، لأنه رحل مبكرا، وهل يكبر الناس بعد موتهم، لست أدري، قد يصغرون، فمن يعلم ما يدور في القبر، فالاستحالة عادة من عادة القبر، لأنه يتراءى لي مظلم، بحواسي المحدودة، ومع هذا فهو روض.. وكم وكم تأملت الموت وأنا أمر بالمقابر وبالاعراس في مشوار واحد، بل يظل الكرسي الخلفي دافي لرجل ذهبت به لكنيسة، حين يشير ركاب يود الذهاب لأحمد شرفي، أو صديلية سعد الدين، أو ابوحشيش، لحاجة حواء..


أتلصص على الشوارع، بصري كصقر، أرى من خلف الشوارع، يقودني حدسي، أجري لحي الموردة من الخرطوم، وأدخل زقاق مظلم، كأني على قدر مثل موسى، فأجد نسوة في الطريق، وبينهم فتاة تتلوى من ألم المخاض، وفي الرحلة للراهبات، استرق السمع لهن، فأعرف الاب والام والمشاكل والتطلعات، سائق التاكسي عالم اجتماع كبير، وسياسي بارز، على المقاعد الخلفية تناقش الامور الاسرية والسياسية والرياضية، والغزل، وعلى الكرسي الامامي الايمن جلست الداية والحرامي واستاذ الجامعة، مهنة تعني الحياة، بكل شكولها، وغرابتها، وسحرها..

كخلية نحل، أجوب الطرق والازقة، الخرطوم القديمة والحديثة، تبدلت الاسماء، والسحنات، وشاخت الخرطوم واتسعت، بل تورمت، حتى شملت القرى البعيدة وصات احياء منها، عيد حسين، الجريف، سوبا، كانت قرى بعيدة، (المشوار لها بآلاف الجنيهات)، بل تخاف، وتتحس ضراعك، وأنت تسعى لها، في جوف الظلمة، أو واضحة النهار، والتاكسي الاخضر، ابن بطوطة يجوب سان جميس، وشارع محمد نجيب، ويمر من تمثال كتشنر باشا، وغردون، وتبدلت الطرق، وتبدلت الاحوال والأقوال، مظاهرات رضى، ومظاهرات غضب، حكومات تلوح بالدين، وأخرى بالعقل، وثالثة بخليط ومزيج، والتاكسي هو هو، أصفر، يقف في المحطة الاوسطى، أو شارع المستشفى، أو محطة القطار، أو بار سان جميس، أو موقف الهلتون، أو العمارات تقاطع 41، منتظرا مصيره، وهو يصل الرحم، ويسعف المريض، ويقضي وطر الشره والمدمن، بلا تكلف، بل يغمض عينه، وكأنه لم يرى شئ كعين المسيح، حين رأى السارق، ونكر السرقة فقال (كذبت عيني وصدقتك)..

عملي مفتوح على الغيب، على باب الله، لا نعرف ما يخبئه القدر، أهو خواجة يدفع بالدولار، أم محتال يزوق، أو مريض يحتاج لدعم، وتوصيل معا، نومن بقدرنا، برضى عجيب، والخير فما اختار الله..

نرى العجب العجاب، فهذا الكرسي، الامامي، لا زال دافئا من صلب خواجه ذهب للكنسية، حتى ركبت عليه الحاجة بتول، خريطة الطريق في اليوم الواحد تشمل المتحف والكنسية والمطار والبار والسفارة والمدرسة والمحكمة والصيدلية، والبيت، والاستاد، بل أقول لكم اختصارا، تشمل كل اهتمامات وحاجات الانسان، السلبية والايجابية، المعلنة والمستترة.. فاليها من مهنة،

مهنتي عجيبة، تعلم الصبر، والمغامرة، فأنت تلفح وجهك برودة شارع النيل في مشوار، وغبار البطانة في مشوار أخر، وتخجك مطبات الفتيحاب وجنوب ام درمان في مشاور ثالث، واحيانا تعطى أكثر مما تستحق، وحينا تحرم مما تستحق..

ولكنها مهنة اشبه بالهواية، فأنت جواب افاق، ورحالة، قلبك كابن بطوطة ترى احوال الاحياء، ووجدانها، تمسع اذنك في اليوم الواحد الاغاني والنحيب والبكاء، تنقل طفل للمقابر، وعروس للكوفير، ومريض للمستشفى، ومسافر للمطار، تسمع بكاء والدته، وشهيق خطيبته، وفي المرآة ترى الأسى على والدته، وهي تجلس خلفك...مشاهد، مشاهد، ورؤى وعجايب..

احوال وحكاوي.. قد لا تصدقها، ولكنها جرت، فالواقع أغرب من الخيال..

قد تركب معك عجوز نسيت الوصف، وتظل تلف كحجر الرحى، وأنت المساهر والمرهق، وقد تفهم الوصف غلط، وحين تصل لزقاق ضيق، تحمل معها قفتها على رأسك حتى البيت، على بعد كيلو، يالها من مهنة، بل يالها من رسالة..

وهي تعني الأمانة، فقد ينسى احدهم جوازه، شطنته، رصيد عمره، حكاوي يجب ان تقص، وتحكى عبرة للناس، وموعظة حسنى، ومزجة للزهجان، ونكته للحزين..

حكاوي الهنتر الاصفر، وهو يجوب الخرطوم كراعي، يتفقد رعيته، لا يفرق بين المسيحي والمسلم، الاسود والاسمر والاصفر، فالكرسي الايمن مفتوح للجميع، للجميع...

تفضل أخي.. إلى وين؟
ماشي امبده..
وآخر، ماشي سوق الجمعة..
وثالث، ماشي المحكمة..

وهكذا...

------------

هذه مقدمة، بأسم وهمي، لحمدان ودفضل المولى، كي نوثق، ونرصد وتسجيل مهنة سائق التاكس، ولو مد الله في العمر، سألتقي في إجازتي بعدد من الاخوة لتدوين ذاكرة مهنة مهمة من خلالها يمكن استقراء تاريخ الخرطوم، جمعت مادة لا بأس منها، ولكن المشروع طويل، وكل من يهمه الامر، أرجو تزويد بما يراها على الإيميل:
ganikaram@hotmai.ocm
أكون شاكرا، ..
أعمق المحبة..

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
يـا جـمـاعــة عـبـدالـغـنـى نـازل اجــازة نـقـول لـيـه شـنـو

كـيـف تـقـوقى عـلى نـخـيلاتـنـا الـقـمارى

وانـــت واحــش نـــيـــل وطـــنـــا

عــلـيـنـا شــمــت الــــصــحـــارى

تحياتى
ابـوقـديـر

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
الاخ ابو قدير ، نفسى انك تخش فى صلب واحد من مواضيع الاخ عبد الغنى كرم الله بالتناول النقدى لا بالتعليق ، ( جميل او غيره من التعاليق ) لان مواضيع الاخ عبد الغنى لا تحتاج الى تعليق ولكن تحتاج الى مشاركة ومعايشة ، ولك احترامى ومودتى

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
أن الله جميل يحب الجمال ونـثـر الجمال فى كل شىء.... ومن هذا المنطق أنا لا أنقد الجمال

أمـدح أو أسـكـت.... يا حسن نحن العرب نحب الـنـقـد ونستحى من ذكر المحاسن والثناء

والمديح

أنا الـمـبـدأ عندى قل خيرا أو أصمت ، هـكـذا عـلـمـتـنى الحياة..... وأنت عارف ياحسن

أصدقائى منذ الطفولة هم أخوالك ... وسـر أستمرار صداقاتنا حتى اللحظة ( لا نحب النقد

ولا نـنـقـد بعض نهائىء لأن النقد له رواسب.... كـيـف يا حسن أنـقـد من هو أجمل من

أصدقاء العمر ....( وعـيـب عبدالغنى الـوحيد أنه الـقـمـر ).... اللهم زد وبارك



تحياتى
ابـوقـديـر

عدل سابقا من قبل ابو قدير في الخميس يوليو 03, 2008 4:15 pm عدل 1 مرات

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz

العزيز أخوي ابوقدير...

المحبة الزائدة لما تفتحه من ابواب للذكرى، واجترار الايام الحلوة، وتصوير حياتنا البسيطة، الشعبية، الفطرية، الاصيلة..

انت عارف، من بركات الذكرى انها تستدعي لعتبه الخيال احداث جميلة مرت، ويسرح الزول معها بمتع لا تحصى، لا أزال اذكر جلسات مسيد شيخ يوسف، وحلقات الدرس في رمضان، والسيرة النبوية، بالرواية الحلبية، تلك السيرة المليئة بالجمال والكرامات والسحر، والتي تبدأ من ارهاصات ميلاد النبي في العرش وفرح الملكوت به، وإلى تقلبه في الصور من بطون الامهات وجباه الرجال، حتى جده عبدالمطلب، وفدايه والده له بالجمال، ولشيخ يوسف مد الله في عمره قدرة على الحكي المروحن، وشد الانتباه، وبدراجية محببة، ويغرق الناس في الاستماع للسيرة طوال الشهر الكريم بلا ملل، بل كانت البرنامج المسائي الوحيد، وهي تمتد احيانا حتى اذان الصبح، وكمان هناك استدراج للناس (بالفتة، والرز والرغيف، وتحتها الكسرة المباركة)، والتي قال عن سرها الشيخ ود الارباب (اسم الله الاعظم)، وبعد العشاء، أو قل السحور، يبدأ الذكر، باسم الله المفرد (الله ..الله..الله)، بالنوبة ويبدأ الدراويش باللف، والصراخ من خمر المحبوب الازلي، وهناك دوريش كبير السن، من غرب السودان يظل يصرخ ويكورك (سلك ... سلك... سلك)، وهو يلف كالمترار في الحلقة..

ومن الوجد الكبير، هو ما يفعله الخال والعم الجميل، جلي الشايقي، حين يدخل السرد لسيرة المطصفى، وقد ركب جمار حليمة السعدية الاعرج، وصار اسرع حمار وهو يسرع الخطو لمطارب بني سعد، فيصرخ جلي الشايقي وقد اخذته محبة الحمار الذي يحمل المصطفى، (انا حمار النبي، أنا حمار النبي)، وهو يحبو على الرمل داخل حلقة الذكر..

ايام لا تنسى، وفي حلقة الذكر، والتي تنتهي بأذان الصبح تضرب الطبول والنوبة، والتي يصحو على ايقاعها ناس صعيد وسافل، وخاصة المسعودية، حيث الرياح شمالية جنوبية..

ياللذكرى من جمال، وتفاصيل بهية..
عميق محبتي..
[b]

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
والله يا عبدالغنى أثـرنـى مـوقـف جـلى وخـلى حالـتى حالة ، لأنى تخيلت نفسى فى الحلقة..

وذكـرنى أهـلـنـا الصوفية زمان تـشـبـعـوا فى الـمـديـح وكـسـروا يـد الـمادح

وأحـمـد الله كـثـيـرا أن مـحـبـتـى أثـمـرت ذكـريـات وعـبـق وألـق أيــام لـهـا ايـقاع

تـحـيـاتـى ومـحـبـاتـى ومـوداتى ودعـواتـى

لـيـك يـا ضـوء الـفـرقـان والـسـديـراتـى

ابـوقـديـر

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
الطاحونة في القويز، على بعد 3.5 كليو!!...






تصور، طفل جاري بكرة شراب، سعيدا بإنفراده، وأوشك أن يسجل هدفا، بعد أن تخلص من أكثر من مدافع، وواجه حارس المرمى، (مرمى مكون من طوب وقمصان وعراريق ونعلات وسفنجات)، فجأة يسمع صوت من وراء الحجرات، بل من داخل الحوش..



(يا جنى، تعال)...



فيضيع الهدف، وتضيع فرحة كبرى، (ليست بسبب تسلل، أو صافرة حكم، وللحق لا تسلل في قوانين الكرة الني نلعبها، بل نعلب ونعلب إلي أن تغيب الشمس، ساعة، أو ساعتين، أو حتى ثلاث والفيفا آخر من يعلم)..، الشمس هي التي تصفر لنهاية المبارة، تصفر بزوالها، وإحمرار الشفق، وبعلو أذان سعد، واللمين لصلاة المغرب، صوفية وأنصار سنة، كل يمجد دينه، ياليت شعري ما الصحيح!!..



يعلو الصوت:

(يا حلبي تعال أمشي الطاحونة).. إنه صوت خاله دفع الله ود العوض عدلان..

يتوقف الطفل، حزينا، باكي القلب، ويشوت الكرة بتهور، (لا أدري انطباع الملائكة وهي ترى طفل يركل كرة حزنا، وأسى، لم أرى وجهها حينها)، ويمضي للبيت، متثاقل الخطو، ويحس وهو ذو العشر سنوات، "بالواجب، والمسئولية"، حينا، والمباراة لا تتوقف، تواصل مسيرتها، وكأن شئ لم يكن، سوى طفل محظوظ، يحل مكاني، وهو يرفع سرواله جاريا، ما أسعده، وما أشقاني!!..



يلقي الطفل نظرة أخيرة لأخوته في الملعب، وقلبه ينبض بأسى عظيم، لمشوار طويل، يعرفه جيدا، فالقويز بعيدة، ولكن (الباسطة والببسي كولا حلوة جدا)، ودائما ما تمكر به امه، حاجة بت المنى، وتستدرجه،( وتحنسه) بهذه المغريات (باسطة وببسي بارد، له رغوة حين يفتح).. وكعادة يفتح الطفل القزازة باسنانه، وينتزع الفلة..



****

ويرتسم الأسى على وجه (الجنى)، لمشوار طويل، طوييييييييييييييييييل جدا.. ومعاناة، لا لاشك، ستترك حكمتها في جسد وذهن الصبي، لاحقا، وخاصة في طريق العودة، والدقيق حاااااااااااار، يبتل بعرقه ظهر الحمار المسكين، وصلب الصبي، وسرواله، بل يحس بالحرارة حتى وهو نائم، بعد عودته، ، في انتظار ديك الصباح، ورائحة الشاي المقنن، مع أخته وأخيه، حول الكانون، وفي حوش حنون، وماهل، ثم المضي للمدرسة شمال القرية.....



والطاحونة تبعد عن البيت زي ثلاثة كيلو، في القويز، والعجب العجاب لمن يكون ناس خالي برضو دايرين دقيق، وناس ست النفور كمان، والمأسأة لو خالتي سكينة دايرة تدقق، تصور طفل يركب في ثالثة أو أربعة شولات من الدقيق، هرم.. والحمار بلا سرج... حاوي ما يقدر، ولكن (الحاجة ام الاختراع)..



وللحق، لو لا المحفزات، من ريالات وشلن، و(حق الباسطة، وقزازة الببسي)، لما مضى الصبي للطاحونة، قط..



في البداية تمشي تكوس الحمار، في الزريبة، وراء الترعة، أم حايم في الحلة، وطبعا، بعد تحنيس، واهم شي حق (الباسطة)، والتي يسيل لها اللعاب، تتم الموافقة، ثم نحج نحو القويز، واخطر مرحلة هي لمن تطلع من القلابات، ويقابلك الخلاء، خلاء واسع، ترى الناس من بعيد يخضون في الماء، ولا يرفعون جلالبيهم او بناطلينهم، إنها ماء السراب..



ثم يمتطي الجنى صهوة الحمار، ومن تحته ثلاث شولات عيش،( شوال حقنا، شوال ناس بت الداباي، وشوالي خالتي سكينة، زوجة خالي امحمد)، وتبدو الحوائط والحيشان قصيرة تحتي، ويتسلل فضولي للحيشان، والعناقريب، والمزاير، وحوض حديدي كبير، بتاع البيارة، كانت مواسير البيارة تكب فيه، ثم يغرف الناس منه،ير (أتذكرونه)، وهو يسعى لبيوت الفراش والاعراس، ليوم الناس هذا، حوض حديدي ضخم، غرف منه الكثير، وتوضأ به الكثير، وبنيت بيوت كتيرة من مائه، فهو يحمل ببطنه الضخم أكثر من عشرة ترلات، كارو أمنة، وكارو فاطنة، وغيرهن..



ثم أمر بزقاق ضيق، ضيق جدا، بين الجامع العتيق، وبيت ناس فضل المولى، كادت الشوالات تقع مني، وهي تحك الحيطة.. ثم يتسع الطريق، فأمر بناس فاطمة بت خالد، ثم يتسع أكثر، ويتحول الزقاق المتلوي لطريق شبه مستقيم، ويتضح خط السير، بطريق يمر بناس حسن الجزار، ودكان عبدالمنعم، وبيت الشيخ بادي، وعبدالقادر، ثم تختفي الحلة، كلها، ويظهر الخلاء، واشجار السنط، بين الحلة والقلابات.



قبيل خروجي أرى الخال عبدالمنعم ود بادي، منكبا على شئ ما يدونه، لا شك يدون في كراسي عربي مهترئ، ملئ بالزيت وبقايا الطحنية، يسجل ديون أحدى النساء، بخط فطري، يتمايل يمنى ويسرى حول الورقة والسطور.. (بصل وربع رطل زيت، ووقية شاي)، إنها طلبات شائ المغربية، لناس عشة، وبصل العشاء..



ثم أمضي خارج الحلة، ..



خلاء عريض، حين تخرج من غابة السنط بين الحسناب والقلابات، غابة لم تبقى منها اليوم سوى شجيرات، جنوب بيوت ود اب حنة، يسارك الترعة، وخط أعمدة الكهرباء والذي يجري جنوبا حتى بيارة ومكنات المشروع، تبدو ودبخيت من بعيد، غارقة في ماء السراب، والمدرسة المتوسطة كأنها قطار ابيض، أم القويز فتبدو كتل من جبال طينية، غربها تتراءى الباجة، خلاء عريض، وماء سراب، وأناس وحيوان في طريقهم للنهر، أو الحلة، يتراقص بهم السرب من بعيد، كما يتراقص الماء بصور الاشياء المنعكسة عليه..

****



يتعثر الحمار، فتقع الشولات، يحاول الصبي رفعها فيتحرك الحمار، فتقع مرة أخرى، يتشوش عقل الطفل وقلبه، يرثى لحاله، لا أحد معه، يجلس على شوال العيش، ناعيا مصيره، وهو يراقب الحمار في طريقه للحلة،.. ماذا يفعل؟، الحمار لا يفهم، يود الرجوع للقرية، لم؟.. ثم يجري الطفل للحاق بالحمار..



يوجه الطفل الحمار جهة القويز.. ثم يجري كي يجمع الشولات والتي وقعت وكأنها حجارة الكيلو، خط مستقيم.. توقف الحمار، حمل الطفل الشوال الأول، والثاني، وضعهما باتقان فوق ظهر الحمار، مضى الطفل للشوال الثالث، تحرك الحمار، الطفل يجري خلفه وهو يحمل الشوال في صدره، ويسب ويلعن، ويتحسر، ويلعن الحمار..



يلحق الحمار، يركله برجله، لأن يديه تحمل الشوال، يحاول وضع الشوال فوق اخوته، يصعب عليه الامر، فالطفل قصير، والحمار والشوالين صاروا في ارتفاع كبير، يحاول ويحاول، يحس بإخفاق داخلي، بحزن وتحدي معا، ينجح بغته، يحس بنصر، أعظم من فتح روما بيد نابليون، يتنفس الصعداء كرجل عجوز، إدرك الإطلاق..



يحاول ركوب الحمار، يفشل، يقف امام الحمار، ثم يضع اصابع رجليه في ركبتي الحمار، ثم يقفز، يركب بالمقلوب، يحاول الاستعدال، وامتضاء الشوالات، كاد يقع، ولكنه نجح أخيرا، أحس بزهو عظيم، تعرفه القلوب التي تحقق النصر، بعد يأس ومشقة.. قم قمز الحمار بكعب رجليه، يحثه للمضي للطاحونة... قدام القويز..(سابقا)...

..

وحين تصل لأعمدة الكهرباء الماشة المشروع، تحس بأنك قطعت نصف المشوار، وبدأت الطاحونة قدام القويز، كإمام، وصوتها الموزون يصلك من بعيد، وعدة حمير مربوطة حولها، جايه من الدوم وحلال بعيدة.. ومن الحسناب والقلابات..

****

لا صوت، سوى حوافر الحمار وهي تخب في خلاء جميل، تحس بلذة الوحشة، وبأنك بعيدا عن دوامة الحياة اليومية، وبأنك تتفرج على سماء صافية، سوى سحب ترقص وتجري نحو الجنوب الغربي، وسوى اغنام هنا وهناك مع خراف وابقار وحمير، واطفال يحملون عصى بيضاء، كعصى موسى... وحشائش خضراء، تخلق أكبر سجاد طبيعي، يزخرف الخلاء، ويعبق الجو برائحة الحشائش، ورطوبة الأرض، وديدان خضراء، وصفراء، ... والشارع يتلوى بهدوء تحتي، يمين وشمال، جدولين خلقتهما إطارات السيارات واللوراي والبكاسي، قد تمر بك نساء وهن في طريقهن لعزاء او تهنئة، أو علاج، وقد يمر بك بعض الغرابة وهم في طريقهم للمشروع أو شراء حاجاتهم من دكاكين القرى... أو يمر بك بص غريب الطلعة، جميل، ذو زجاج، وتظل تراقبه، حتى يختفي جنوبا، في طريقه لكترانج، أو رفاعة، أو، وحين ينظر الطفل غربا، يرى شارع مدني، من بين فرجات الشعر، وغرب النيل، قندرات تأز، وعربات تجري من بعيد، بين الشقلة والمسعودية، منظر مجاني، يوحي بالشعر، وبالغور في الذات، وبتفتق الذهن، إلهذا عاش النبي بين مضارب بني سعد، حيث الفطرة، والوداعة، ودف العشيرة، والاغنام التي مما منن نبي، إلا رعاها، تملأ السجاد الاخضر، بقرونها، وضروعها، المباركة، حين تهز في السعن، روب ولبن يلطخ افواه الاطفال، ويسيل على صدورهم، ويترك تلك الرائحة المميزة، على أجسادهم الغضة...



ومن بعيد ترى قبة ابوشملة، تحس بأمن عجيب، تذكر والدتك، وزيارته للاضرحة، للأموات الاحياء، والاحياء الاموات، تذكر الحديث النبوي (الناس نيام، فإذا ماتو انتبهو)، في العراء والخلاء يراجع المرء نفسه، فيحس بشئ ماء، بروعة، ماء، بحزن ما، وبفرح ما، وهذا الاحساس هو خيط من هذه الانفعالات..



****

وفي الطاحونة ترى العيش مكبوب في احواض، عيش ذرة وفترتية ومايو، وصوت الطاحونة وخاصة سيرها، وخاصة المنطقة الملصوقة، وهي تخلق ايقاع غريب طق. طاق.... ثم طق... طق، وبينهم فراغ موسيقى صامت، وبره الطابونة نمشي نعاين للموية الحارة المكبوبة في حوض اسمنتي، وفي الحوض مكتوبة بالفحم اسماء عشرات البنات، وقلوب مخترقة بالاسهم، وذكريات، واسماء شفع.. ياله من حب مقتول بالخجل، أو صراع طبقي صغير، لا يدخل في زمرة المادية التاريخيه، وجدلها،..



وكيس الطاحونة، والذي يشبه خرطوم الفيل، وهو يدلق الدقيق الناعم، الحار، وهو يصب في الصفيحة امامه، ويكون هرم صغير، يسمح صاحب الطاحونة بخشبه... وأحيانا يعلق الشوال في سلوك على جانبي خرطوم الطاحونة..



ووجه مليان دقيق ابيض، كأنه مهرج..



ثم ندخل القويز، ويتحرش بنا الاطفال، ولكن (سمعة الحسناب تمام)، مجرد يعرفوا انك من الحسناب، ترتخي حناجرهم وتهديداتهم..

يحس بأن القويز، أكثر حركة، الشوارع مليئة، وضيقة، وتعلو وتهبط، (إنها القويز، تصغير قوز)، هدفه الدكان، وشراء باسطة، وببسي، ويمر بالمقابر، يتعجب من وجودها داخل القرية، كل المقابر التي يعرفها تبدو بعيدة، ابسرورة، حيث والدته، واهله، وخيلانه لاحقا، ...



المقابر نص الحلة، كنت اتعجب كيف يسكن ناس القويز والمقابر داخل الحلة، أمر بالمقابر، يصيبني احساس ما، دافئ، بالموت، بالوداع، وأتذكر أبي، وكيف انه كان يحملني على ظهره، وتجيش النفس بانفعالات عصية الوصف، عن الموت، والفراغ، والقبر، ..



أحاول قراءة بعض الشواهد، لأناس رحلوا قبل البيارة والمدارس، قبل مايو، والمشروع، ويجري الخيال للأمس، بل للأمس البعيد، وعن حكايات شيوخنا الاجلاء، النتيفة، وحمدان، وود السالم، عن اصل القرية، والجهادية، والبعد عن النيل، حكايات نسمعها ونحن اطفال، ويسرح الخيال في الماضي، الماضي الذي يستدرج السياح من أقاصي الارض لزيارة موتى العصر الفرعوني، والعلوي، إنها لذة الماضئ الآسرة..



وفي طريق العودة تتكرر المأسأة، ..



والعجب العجاب لو وقع الدقيق في الخلا، ولا احد معك، وانت صغير، غض اليد، وتحاول وتفشل، وتنبذ الحمار، أنعل ابوك، ومرت تحمل العيش فتجد الحمار مشى، ومضى لسبيله، فتسبه، وتبكي، وتقعد تفكر، وتحتار كما احتار سقراط في كنه الحياة، وتجلس في الدقيق الحار وبصرك يرنو للسماء (ما من حل)، وهذه المرة، ليست كالذهاب، فالشوالات ساخنة، حارة، تكوي الجسم بحرارتها، بل تظل ساخنة، حتى تصل البيت، وتنزل الشولات، ثم اللبدة عن الحمار، وتجد ظهره متعرقا، ساخنا، فتحس بعظمة وتضحية هذا الكائن المسكين...

*****

وللحق، ومرات بخلي الدقيق في الخلاء وامشي البيت، وأبكي في الشارع، فأنا اعرف كيف تؤكل الكتف، فأمي لا تحب بكائي، وأنا اعزف على وتر اني يتيم، وهي تصدق أكاذيبي الواضحة، كعادة الأمهات....



وخالي دفع الله يصيح : يا المرمد تلقاك رميتو مقصود عشان تاني ما تتدقق،..



وحين نمشي للدقيق لا نجده، ونسأل ناس القلابات، يقولوا عند ناس شايق، جدي شايق وخالي،، ونمشي ناس شايق، وهاك ياونسة، وسهر حتى الليل، وفي الليل نرجع ومعنا الدقيق البارد، وذكريات لا تنسى مع اهلي القلابات..(ياربي انا رميت الدقيق قاصد)، الله وحده يعلم؟!!..





****

للحق احب الخلاء، الارضي الصي، خلوة مصغرة، وغار حراء صغير، أحب الخلاء، كي يسرح ذهني وخيالي، فأتخيل الكرة الارضية وهي تلف الآن، بلى الآن، وهي تحمل حماري، وعلى ظهره اربع كيلات، وفوقه أنا، ملك صغير، على كرسي متحرك، وأذني الحمار تشكل علامة نصر، نصر على إرادة صبي ورغبته، وهي تهتز مع ايقاع حوافرا لحمار، وأنا غارق في تأمل الخلاء والوحشة، ومن بعيد تلوح قبة سيدي ابوشملة، كثدي ضخم، يرضع السماء والقرى، يقين خاص، .. وقد يظهر فجأة بص الدومة، بص اللبن، وهو يسعى للدومة من بعيد، يظهر في الخلاء الذي يفصل الدلتية عن الدومة، تحس بأن البص يسير ببط، ومياه السراب تغرق نصف عجلاته، لساتكه..



وحين أصل الحلة، وانزل الشولات، وأتعشى، وتشعل امي الفانوس، أخرج كتابي المفضل، المغامرين الخمسة، واتابع تختخ ونوسة ولوزة، واراقب ظل امي في الحائط، وهو يرسم اشكال تعجز عنها ريشة بيكاسو..



وللطاحونة حديث، *** تداعيات عن الطاحونة، لم تكتمل بعد،..

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
الاخ عبد الغني , لك أجمل تحية , حقيقة تعجبني كتاباتك , وأجد فيها روح أديب يتمتع بخيال بديع وعبارة رائعة , وقد قرأت لك أكثر من قطعة , وأرغب في قرءة المزيد , ويسرني أن يخرج من اهلنا أديبٌ مثلك , وأهنئك على هذه الموهبة , وإن كانت لدي وقفة أمام بعض العبارات الواردة في كتاباتك أو بعضها , والتي أجد أني لا أرتاح لديها فعذراً أخي , وهي أشياء في نظري قد يقع في روع كاتبها الإحساس بمتعة العبارة , فهي تمدد متعتها على حساب مساحة العقيدة في نفس الإنسان , وهي عبارات أجد الاستغناء عنها لا ينقص القصة شيئاً . ومثال لذلك هذه العبارة :
(ميدان الكورة، يخلو من اللعيبة، والكرة. ليت الإله اكتفى بخلق اللعب واللهو فقط، وترك الباقي).
من وجهة نظري الشخصية لا أحس براحة أمام عبارات تحمل معنى يعترض مشيئة الإله في كونه , وكأننا نسدي الاقتراحات الحكيمة لله ( معاذ الله ) , وجميع المبررات الأدبية والمجازية والنقدية عندي تسقط في هذا الشأن , ولا تقل إنَّ الذي ينتقد بهذه الطريقة هو في الأساس لا علاقة له بالأدب , فالأدب بمختلف ألوانه والشعر على رأسه يعد من هواياتي منذ الطفولة الباكرة ولي كتابات مختلفة في القصة والشعر , ولم أقل هذا الكلام لتزكية نفسي أو للفخر ( بل ذكرت ذلك لتعلم أنَّ نقدي هذا مبني على رؤية أدبية ) وعدا ذلك فأنا أرى فيك أديباً واسع الخيال وجميل العبارة واستمتعت بقراءة ما تكتب وإذا وجدت المزيد قرأت . ولك خالص ودي .

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
عزيزي الاخ عبد الغني..الف تحية لك علي هذا الابداع المنهمر..وانا ما داخل هنا عشان امدح تلك الروائع من القصص ، ولا نريد ان نكيل لك الثناء ولكن نريد ان نعبرعما وجدناه فيها...حقيقة انا شخصيا لم اكن ناقدا ولاكاتب ولكن كنت قارئ جيدا في بعض الاحيان ودائما ما اجد نفسي في الكتابة التي تعبر عن الواقع وتصوره بعين وقلب القارئ ، فكيف لا أجد المتعة في تلك القصص الرائعة التي مكتوبة من داخل بئيتي وكثيرمن الشخصيات اعرفها تماما ومارست كل تلك الاحداث، يعني مثلا الذهاب الي الدقيق خارج القرية والشعور بحرارة البول بعد يوم كامل علي الركوب علي ذلك الدقيق الحار وحكاية البكشيش أو الرشوة التي نأخذها عشان نمشي طائعين /وهناك في اي بقالة أو اي فرن نقرض الرغيف بالتمر او الطحنية وشراب الببسي الذي كان عزيزا في ذلك الزمان ومايهم ان كانت حارة أو باردة المهم تشرب ببسي وتتغذي وتشعر بانك كسبت سعرات حرارية جديدة ويمكن ان تجعلك تتحرش علي الاخرين..
كما ذكرت سمعة ناس الحسناب الجيدة في مجال الشفتنة وتلك المورثات التقليدية وممارسة الارهاب والخوف بين الصبية، كل تلك الصور تجعل المنظر متكامل وحلو ويرجع بك لتلك السنين الحلوة الجميلة التي كانت البراءة تكسوها وتزينها..
في الرد علي جزئية الاخ محمد احمد الشيخ بان بعض العبارات قد تخدش العقيدة دعني اقول له اني اختلف معك ، لانك حين تقول ذلك تعبر عن التفكير السائد في تلك المرحلة ، ولاحرج في ذكر ذلك دون المساس العقيدة بشئ ..
كل مني كل الود.

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزي عبد الغني كرم الله
لك التحية والاحترام اعطيك الف عافية بكل صدق اخي عبدو اننا نذوب مع كل عمل تكتبه نترك كل شي ضحوتنا ظهريتنا تكون في ذلك العمل الراقي نتامل
رصانة التعبير وحلاوة الكلام وجماله اخي نرجو منك ان لا تبخل علينا مما تجود به قريحتك ومن هنا ادعو اخونامحمد رحمة اللة علي محمدسعيدذلك القاص والادبب والناقد حتي يكون لنا ثنائية مع اخونا عبدالغني

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
عزيزي واخي محمد احمد الشيخ..



سلام ومحبة وشوق..



ياخي سعيد بك، وبأنك كاتب وأديب، ورجل مرهف، وشيف، أحسست بهذا في كلامك المؤدب، وياريت نشوف كتاباتك هنا، والبوست ده مفتوح لو داير تنزل أي كتابات، أو نقراهو في بوست جيد، وياخي شكري لقراءتك الماهلة للتداعيات والذكريات في حمى، وأديم العسيلات المباركة..



طبعا، وأنت سيد العارفين بطقوس "الكتابة"، بأن الأدب هو مرآة المجتمع، يعني لمن نجيب محفوظ كتب، مثلا (ثرثرة فوق النيل)، كان عليه ان يصور حياة اكثر من سبعة شخوص، في جدل سياسي، بيزنطي، وسفسطه، بمعنى أنو نجيب محفوظ كي يتعامل مع شخوصه يجب عليه أن يكون صادقا في تصوير الشخصيات، وإلا سوف ينهدم البناء الروائي، يعني في النص بتاع (ثرثرة فوق النيل)، هناك رجل (عبثي)، وهناك رجل (ملحد)، وغيرهم من الشخصيات التي تشكل عماد ثرثرة فوق النيل..

وانت عارف دي معاناة الكتابة، يعني تغوص في شخصيات (انت مختلف عنها فكريا)، ومع هذا تتبنى أفكارها، وتطرحها من أجل بنا نص.. يعني لم تختار اخو مسلم، وشيوعي، وصوفي، وجهموري، وحزب امه، انت يجب ان تنصف أي واحد فيهم، وتتكلم بلسانه بصد ق في النص، ثم تترك للقارئي الحكم؟..



وده اسلوب لاحترام القارئي، متى ما قدمت له الافكار، فالقارئي حين يطلع على النص، بشوف أراء الشيوعي والمسلم والملحد، وعلى ضوئها يحدد رأيه هو.. يعني حلاوة الادب في حرية (القراءة)، ومكرها الجميل، وإشاراتها..



فحين يكتب نجيب عن الرجل الملحد، يجب ان يكون صادقا في (إلحاده)، حتى يتقمص الشخص، وإلا تكون الكتابة هي وعظ، وهذا دور الفقهاء، لا شك تتوارى اراء الكتاب في النص، ولكن بشكل خجول، فيهمه القارئي وراء النص،وللحق لكل كاتب رساله مبهمة، تحس بها مواربه تحت السطور، وبالإشارة، وبالمجاز، وما اغنى اللغة العربية بهذه المحسنات..



ما أريد استخلاصه، ان الكتابة هي مرآة صادقة، تصور ادق خلجات النفس، وللحق، مثلا طفولتي الشخصية،والله اختي علوية، وسيف الاسلام بقولو عني اني كن جني سؤال عن (الله)، ولو كتب هنا، لقامت القيامة، بالرغم من انو كلام حقيقي، ومن طفل يتسائل عن الحياة والله والكون..



وحتى في هذا النص، فالطفل يتمنى، مثل أي انسان، وللحق (الدعاء، أي دعاء)، هو أمنية.. مش؟..



يعني لمن تدعو بالصحة، كأنو تقول ياريت ربنا لو لم يمرضني..



للحق الكتابة متعبة، وممتعة، وهي رحلة داخل النفس البشرية، لإعادة الذكريات، أو طبخها على نار خيال، من أجل إثارة حنين للجمال، للرضى، للتمرد الخلاق..

والله سعيد بقراءتك، وبنقدكم الجميل، المستحي، ولي قدام، وفي انتظار أعمالكم، وللحق يسعدني ان تشرق شمس بلدي، واهلي العظام باي كتابة أدبية، ثري الوجدان، وتعيد طلاوة وحلاوة للحياة..



أعمق المحبة، والسلام..

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
أخي عبد الغني لك الشكر على الاهتمام الذي بان في سرعة الرد وهذا دابك كما ألحظ في ردودك الكريمة على المطلعين - وشكراً لك على دعوتي للكتابة - وفي ردك عن ملاحظتي - لا أشك في أنَّ الكاتب يعبر في كثير من الأحيان عن ما لا يعتقده , وإنما ينقل ما يدور في أذهان ونفوس الناس , ولكن ذلك يتم على ألسنتهم - فالكاتب يحتال ليضع هذه العبارات على لسان غيره ولو كنت فعلت لما أبديت أي ملاحظة , فالمتنبي مثلاً حينما قال :
أبوكم آدم سنَّ المعاصي وعلَّمكم مفارقة الجنان
إنما احتال وقالها على لسان حصانه , ولذا نجى من سيط أهل زمانه وهي أشدُّ وقعاً من سيط هذا الزمان .
وبالنسبة لخواطر الطفولة حول الله عزَّ وجلَّ كان لي نصيب وافرٌ منها , وأظنها الفطرة التي تتجلى في الطفولة قبل أن يتسخ الإنسان بهموم الحياة : هل تصدق يا أخي كنت وأنا طفلاً قد ظننت يوماً ما أنَّ الفكي عطا المنان هو (الله) لأنَّه كان ملازماً للمسجد العتيق , وكان الناس حينما يسعون إليه يخلعون أحذيتهم من بعيد يخفضون هاماتهم في خشوع ويقبلون يديه في خضوع , وكانت كتب الدين المحمرة من حوله تزيد من ذلك الخشوع ( جميع الكتب الحمراء كنا نسميها كتب الدين - حتى ولو كان في نسختها قصصاً لأرسين لوبين - لقد تسرب لي من خشوع الناس خشوع في نفسي تجاه الفكي - والناس يقولون للمسجد بيت الله - والفكي يبدو عليه القدم - فهو قديم جداً - والصلاح - والبهاء - وموجود في بيت الله - كل هذه أشياء تكبر في ذهن طفل يافع ليس لديه فكرة عن الأديان - لقد وقع في نفسي أنَّ الفكي هذا هو الله . والله لم أذكر شيئاً كذباً أو غير حقيقي عن هذه الخاطرة - هذه بعضٌ من خواطر الطفولة التي أدون منها قدراً وقدراً آخراً في انتظار دوره - وفي نظري ليس في هذه الخواطر ضير من ذكرها - طاما أننا قد نضجنا وقويت عقائدنا- وذكرت ذلك على ذكرك إياها .
وكلي تفَهُّم لما ذهبت إليه - ولا أجد أنا شخصياً لبساً في فهمها على وجهها الصحيح ولكن هنالك من قد لا يدرك المغزي . ولا ضير من وضع العبارات المشبوهة على ألسنة مستعارة .
ولك خالص ودي على المساحة والإبداع .

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
حسبو العوض كتب:
عزيزي الاخ عبد الغني..الف تحية لك علي هذا الابداع المنهمر..وانا ما داخل هنا عشان امدح تلك الروائع من القصص ، ولا نريد ان نكيل لك الثناء ولكن نريد ان نعبرعما وجدناه فيها...حقيقة انا شخصيا لم اكن ناقدا ولاكاتب ولكن كنت قارئ جيدا في بعض الاحيان ودائما ما اجد نفسي في الكتابة التي تعبر عن الواقع وتصوره بعين وقلب القارئ ، فكيف لا أجد المتعة في تلك القصص الرائعة التي مكتوبة من داخل بئيتي وكثيرمن الشخصيات اعرفها تماما ومارست كل تلك الاحداث، يعني مثلا الذهاب الي الدقيق خارج القرية والشعور بحرارة البول بعد يوم كامل علي الركوب علي ذلك الدقيق الحار وحكاية البكشيش أو الرشوة التي نأخذها عشان نمشي طائعين /وهناك في اي بقالة أو اي فرن نقرض الرغيف بالتمر او الطحنية وشراب الببسي الذي كان عزيزا في ذلك الزمان ومايهم ان كانت حارة أو باردة المهم تشرب ببسي وتتغذي وتشعر بانك كسبت سعرات حرارية جديدة ويمكن ان تجعلك تتحرش علي الاخرين..
كما ذكرت سمعة ناس الحسناب الجيدة في مجال الشفتنة وتلك المورثات التقليدية وممارسة الارهاب والخوف بين الصبية، كل تلك الصور تجعل المنظر متكامل وحلو ويرجع بك لتلك السنين الحلوة الجميلة التي كانت البراءة تكسوها وتزينها..
في الرد علي جزئية الاخ محمد احمد الشيخ بان بعض العبارات قد تخدش العقيدة دعني اقول له اني اختلف معك ، لانك حين تقول ذلك تعبر عن التفكير السائد في تلك المرحلة ، ولاحرج في ذكر ذلك دون المساس العقيدة بشئ ..
كل مني كل الود.



عزيزي، وأخي الفاضل

حسبو العوض،

سلامي ومحبتي..



ياخي مالك بتثير في الكوامن، والحنين،.. هاهي الأذن تصغي، وتسمع أول نغمة في الفجر:

كيف اصبحتو.. ياحاجة بت المنى..

هكذا نسمع هذه الكلمة المشرقة كل صباح، حين تتفح عيوننا البرئية على فجر يرسل اشعته الواهنة، المباركة، وعلى دجاج يسعى بتفور في الحوش، وعلى صوت ارتال من الاغنام في الشارع وهي تسعى للمرعى، وفي الحوش تتراص العناقريب والطرابيز والمزيرة، وبرميل موية، وأباريق، واوارق شجر، ورائحة هي مزيج من طين وألق..



نصحو في الحلة على هذا، بل أكثر، وأخصب وأجمل، ترسم السحب أشكال عجيبة، وتحتها طيور بيضاء استيقظت مبكرا من أجل الرزق، فهي لا توفر، ولا (تكل أو مطبخ، أو سحارة، أو دولاب)ولا مرحاكة، رزق اليوم باليوم، تشبع، وتغسل منقارها، ثم تمضي للعش على ضفة النيل الازرق، مع صويحباته، وفي الصبح يحلقن ببعد سحيق فوق سماء القرية، ما أسعدهن، عيونهن الجميلة الصغيرة، ترى البيارة كعلبة الكبريت، والجامع كمكعب النرد، والبقرة مثل أرنب.. فالمسافات تعطي الابعاد شكل شاعري، حين ابتعد عن القرية، في طريقي للدومة (لزيارة الشيخ ابوشملة)، وأنظر للقرية، أحس كأنها سفينة طينية، رائعة، تغرق في بحر سراب.. والبيوت تتلاصق كاطفال يصغون لحجوة، .. فتحس بأنس، وبحنين جميل، لقرية فارقتها منذ لحظات.. إنها الرحم..

لم أكن صبورا بخصوص الشاي، كنت أجلس لصق امي، وتلفحني حرارة الفحم، واللهب يرقص بصورة شاعرية فوق الكانون، منتظرا، كجدو، فوران الشاي، .. وأمي، لا يشغلها شأن عن شاي، فهي تولع الكانون، ثم تضع اللبن، ثم تذهب للمكوة، وتملأ الأزيار، ثم تأتي لتجلس فوق البنبر، لعمل الشاي..



مجرد ان يهتز سطح الحلة، أحس بقرب الفرح، ونصي (فار فار)، ثم تتسامى رغوة اللبن، كأنها سحب (ساخنة)..

ثم ترمي أمي الشاي فوق اللبن، لا ماء هنا، لبن وشاي ..



كباية، لا.. بين اثنين ولاثلاثة، وأمي لا تعرف هل خلق الله (كلمة لا)... أ م لا... (ياخي ما أغرب الأمهات).. أي حنو يزخرف قلوبهن،.. أي صبر واناءة ترفل في السلوك والتصرف..



والله ياحسبو، نفسي أصور الحياة في القرية بكل صغيرة وكبيرة، فهذه المنطقة، تجيش بحيوات عجيبة، جزء في الوعي، وجزء في اللاوعي، في الليل حين ترسلني امي للاوضة المظلمة (قول يالنبي نوح)، ثم تلك القيم والاخلاق المتوارثة، والتي تجعل من الضيف بطلا، وللحق اغلب موظفي المشروع الزراعي، والمعلمين تعجبوا من هذا السلوك النبوي والفطري في قرى العسيلات، ثم الزراعة، والسلوكة، والسراب، والحش، والديدان الصغيرة الصفراء والحمراء والخضراء والمبقعة، والسعدة التي تحف بالجداول، والتعاون الخلاق من ناس الحلة في زراعة حواشة فلان، وعلان، ثم (الوادي)، والمطمورة، و ....الخ من وقائع بسيطة، غنية، ثرية، .. ..



كمان الاغنام... والخراف والرعاية في البحر، النيل الازرق، دي دايرة قعدة، والله كنت اطرب حين ارعى بالغنم وهي تهز ذيولها جزلى وهي تقضم السعدة، وحين نعود بهن للبيت، كن يجلسن تحت الظلال لاجترار السعدة، وفي عيونهن أرى الرضى، والشكر، والشعر.. وربي الشعر..





ياااااااااااااااااااه، أخي مالك تثير الكوامن والحنين...

للحق حين اكتب عن أهلي، أشم وألمس وأستدفئ بما أكتب، وبما أتذكر..



عميق محبتي..

descriptionفي الطريق إلى المدرسة !!.. - صفحة 3 Emptyرد: في الطريق إلى المدرسة !!..

more_horiz
أخي عبد الغني لقد أيقظت فينا روح الطفولة التي لا تموت ولا تكبر بل تبقى نائمة وتستيقظ متى هب الحنين ونعود صغار نركض مع كرة الشراب ونمرح مع شدت ونبكي من ضرب الثياب في الرمة وحباسة ونغنى ونحن عائدون من الطاحونة
هذه الذكريات التي كتبت عنها يا أخي عبد الغني بصدق وأسلوب جميل لا تتمحي ومسطرة على صفحات عمرنا

وتقبل ودي وتحياتي
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد