وربما كانت من أغرب وأعجب الجماعات في العالم المعاصر إن لم تكن أغربها وأعجبها، إنها لا تعيش أدغال إفريقيا، ولا في مجاهل أمريكا الجنوبية، ولا في مناطق آسيا الفقيرة، إنها تعيش في أكثر الدول تقدماً في العالم، تعيش قريباً من ناطحات السحاب، ومصانع الطائرات والسيارات..
.. ومحطات إطلاق المركبات الفضائية، وفي خضم مجتمع المعلومات، إنها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، إنها جماعة الآمش Amish التي تنتشر في خمس وعشرين ولاية أمريكية، ويتركز وجودها في ولاية بنسلفانيا، ويقدر عددها بحوالي ربع مليون نسمة، كنت أسمع عنها، ولكن لم أشاهد شيئاً من حياة أفرادها إلا بعد زيارتي لتلك الولاية، هذه الطائفة لم يأت أتباعها إلى أمريكا من دول ما يسمى بالعالم الثالث، أو العالم المتخلف، ولكنهم أتوا إليها من أوروبا، ومن أكثر مناطقها تطوراً وحضارة، لقد جاؤوا من سويسرا، وألمانيا، وهولندا، وبعض الدول المجاورة، وهذه الطائفة تنتمي إلى حركة دينية ظهرت في القرون الوسطى، سمّو أنفسهم (المسيحيين الجدد)، ويقولون إنهم يستلهمون حياتهم من الإنجيل، ومن ذلك إيمانهم بالعزلة عن العالم الخارجي، ويقاومون أي محاولة لدمجهم في المجتمع المحيط، ولقد قوبلت تلك الحركة في بداياتها بالتكفير والاضطهاد والقتل من قبل الطوائف الأخرى، فهاجر الكثير من أفرادها إلى أمريكا خوفاً على حياتهم ومعتقداتهم، تقول عنهم كاثي لي (Cathy-
lee) في بحث نشر في مجلة أنثروبولوجيا العالم الحديث
(Modern World Anthropology) عدد 6 ديسمبر 2003م (إن ثقافة الآمش حافلة بالكثير من التقاليد التي تفصلهم عن العقيدة النصرانية العامة، وقد تم قتل أعداد كثيرة منهم في أوروبا، فهم يؤمنون بأن الشخص يجب أن يعمد ويطهر روحياً خلال مرحلة رشده وليس خلال طفولته، وهذا التعميد والتطهير الروحي يعطي في نظرهم الإنسان الحرية والاختيار الواعي لتطبيق ما يؤمنون به من خلال طقوس يسمونها (رومزبرنقا Rumspringa) وتعني الانطلاق في المحيط المجاور، وبناء على تلك الطقوس فإن الشخص يملك الحرية إذا بلغ السادسة عشرة في أن يجرب الحياة على الطريقة الأمريكية، بمعنى أنه يحق لهم استخدام الكهرباء، ومشاهدة التلفزيون، وسماع الموسيقى، ولباس ما يريدون من ملابس، وهذا يعني أيضاً أن من حقهم ممارسة الجنس، وتناول الكحول، وهذه الرومزبرنقا يمكن أن تدوم لأسبوع فقط، ويمكن أن تمتد لعدة سنوات، والشخص يمكن أن يقرر في أي وقت أن يعود إلى عقيدة وجماعة الآموش، وإذا قرر العودة فعليه أن يتخلى عن الكثير من الملذات التي كان مسموحاً له بها أثناء الروزبرنقا، ويجب عليه أن يعود لممارسة الحياة البسيطة التي يمارسها الآموش، وإذا قرر الشخص عدم العودة إل حياة الآموش، فعليه أن ينأى بنفسه عن الطائفة وعن أسرته، ومن ثم يعتقدون أن روحه فقدت إلى الأبد، وهناك 90% من الشبان يعودون إلى حياة الآموش. ولكن ما هي أهم معالم عقيدة وحياة الآموش؟ إنها طائفة لا تؤمن بالتغيير، بل لا بد من الالتزام بالعيش وفق ما جاء بالإنجيل الذي بين أيديهم بحذافيره!! ولديهم مجلس استشاري يطلق عليه (أولد أوردر) -أي النظام القديم-، وهم مجموعة من كبار السن المتدينين يدرسون أي أمر طارئ ويصدرون رأيهم فيه بناء على ما يرونه مطابقاً لتعاليم الإنجيل. إنها طائفة ضد استخدام منتجات الحضارة المعاصرة، فهي لا تستخدم الكهرباء، ولا تستخدم السيارات، ولا تستخدم الهاتف ثابته ومتنقله، فضلاً عن الإنترنت، والقنوات الفضائية، ويمكن استخدام بعض تلك الأدوات عند الضرورة، مثل إسعاف المريض، واستخدام الهاتف العام للإبلاغ عن حريق ونحوه، وبدلا من ذلك يستخدمون عناصر الطبيعة، فلديهم نظام مواصلات بسيط قائم على عربات تجرها الخيول، ويستخدمون القرب لتبريد الماء، ويستخدمون الحيوانات في الحرث والزراعة، ويستخدمون سمادها الطبيعي لتخصيب التربة، ولهذا فإن منتجاتهم التي لا تستخدم الكيماويات تباع بأسرع وقت، وبأسعار عالية لتكالب الناس عليها، وإقبالهم على شرائها، ورغم أنهم يعيشون في وسط أمريكا فإنهم يحرمون الموسيقى، ويحرمون الخمور، ويحرمون الزنا، ولا تتعلم البنت عندهم إلا إلى نهاية المرحلة الابتدائية، والمرأة عندهم تلبس لباساً ساتراً فضفاضاً، وتغطي في الغالب شعر رأسها بلباس أبيض إذا كانت متزوجة، وبلباس أسود إذا كانت عزباء، والشاب إذا تزوج أطلق لحيته، وقبل ذلك يحلقها، وبهذا يمكن التفريق بسهولة بين المتزوج والأعزب، ويضاف إلى كل ذلك أن هذه الطائفة تحرم التصوير، وتحرم التأمين بجميع صوره، فكل شيء في نظرهم قضاء وقدر، ولهذا فلديهم عوض عن التأمين تكافل اجتماعي قوي، فهم يقفون مع من أصيب بنكبة ويساعدونه بأموالهم وبجهدهم حتى يتجاوز نكبته، ومن الأشياء التي يؤمنون بتطبيقها في معاقبة الزوجة الهجر، والبعد عن الزوجة، هذه أهم ملامح حياة الآموش المستمدة من تعاليم الإنجيل كما يفهمونها، ونلاحظ أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين تلك التعاليم، وبين ما نؤمن به نحن المسلمين مثل تحريم الزنا، والخمور، والتكشف والسفور للمرأة، وهذا يدل دلالة قاطعة أن مصدر الأديان واحد، وقد لاحظت ما يمكن اعتباره من بقايا الرسالات السابقة في بعض المجتمعات البدائية مثل بعض الهنود الحمر في أقصى جنوب أمريكا اللاتينية، وهناك من ينظر إلى جماعة الآموش على أنها جماعة متخلفة، وانعزالية، وتعيش في الماضي، وهناك من يغبطها على حياتها، وبساطة طريقتها في الحياة، والحقيقة أن هناك بعض الجوانب الإيجابية في تلك الحياة، وهناك بعض الجوانب السلبية فيها، ولعل أبرز الجوانب السلبية يتمثل في تحريم استخدام منتجات الحضارة المعاصرة، ولقد سمعت أن في بعض البلدان المسلمة فئة تشبه فئة الآموش، حيث يعيشون حياة عزلة، ولا يستخدمون وسائل الحياة المعاصرة، وهذا انحراف واضح عن تعاليم الإسلام المشرقة فالله سبحانه وتعالى يقول {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (32) سورة الأعراف، ودين الإسلام فيه أفضل ما عند الآموش من تحريم الزنا وتحريم للخمور، وتحريم للغش والرذيلة بصورها المختلفة، والله من وراء كل شيء
.. ومحطات إطلاق المركبات الفضائية، وفي خضم مجتمع المعلومات، إنها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، إنها جماعة الآمش Amish التي تنتشر في خمس وعشرين ولاية أمريكية، ويتركز وجودها في ولاية بنسلفانيا، ويقدر عددها بحوالي ربع مليون نسمة، كنت أسمع عنها، ولكن لم أشاهد شيئاً من حياة أفرادها إلا بعد زيارتي لتلك الولاية، هذه الطائفة لم يأت أتباعها إلى أمريكا من دول ما يسمى بالعالم الثالث، أو العالم المتخلف، ولكنهم أتوا إليها من أوروبا، ومن أكثر مناطقها تطوراً وحضارة، لقد جاؤوا من سويسرا، وألمانيا، وهولندا، وبعض الدول المجاورة، وهذه الطائفة تنتمي إلى حركة دينية ظهرت في القرون الوسطى، سمّو أنفسهم (المسيحيين الجدد)، ويقولون إنهم يستلهمون حياتهم من الإنجيل، ومن ذلك إيمانهم بالعزلة عن العالم الخارجي، ويقاومون أي محاولة لدمجهم في المجتمع المحيط، ولقد قوبلت تلك الحركة في بداياتها بالتكفير والاضطهاد والقتل من قبل الطوائف الأخرى، فهاجر الكثير من أفرادها إلى أمريكا خوفاً على حياتهم ومعتقداتهم، تقول عنهم كاثي لي (Cathy-
lee) في بحث نشر في مجلة أنثروبولوجيا العالم الحديث
(Modern World Anthropology) عدد 6 ديسمبر 2003م (إن ثقافة الآمش حافلة بالكثير من التقاليد التي تفصلهم عن العقيدة النصرانية العامة، وقد تم قتل أعداد كثيرة منهم في أوروبا، فهم يؤمنون بأن الشخص يجب أن يعمد ويطهر روحياً خلال مرحلة رشده وليس خلال طفولته، وهذا التعميد والتطهير الروحي يعطي في نظرهم الإنسان الحرية والاختيار الواعي لتطبيق ما يؤمنون به من خلال طقوس يسمونها (رومزبرنقا Rumspringa) وتعني الانطلاق في المحيط المجاور، وبناء على تلك الطقوس فإن الشخص يملك الحرية إذا بلغ السادسة عشرة في أن يجرب الحياة على الطريقة الأمريكية، بمعنى أنه يحق لهم استخدام الكهرباء، ومشاهدة التلفزيون، وسماع الموسيقى، ولباس ما يريدون من ملابس، وهذا يعني أيضاً أن من حقهم ممارسة الجنس، وتناول الكحول، وهذه الرومزبرنقا يمكن أن تدوم لأسبوع فقط، ويمكن أن تمتد لعدة سنوات، والشخص يمكن أن يقرر في أي وقت أن يعود إلى عقيدة وجماعة الآموش، وإذا قرر العودة فعليه أن يتخلى عن الكثير من الملذات التي كان مسموحاً له بها أثناء الروزبرنقا، ويجب عليه أن يعود لممارسة الحياة البسيطة التي يمارسها الآموش، وإذا قرر الشخص عدم العودة إل حياة الآموش، فعليه أن ينأى بنفسه عن الطائفة وعن أسرته، ومن ثم يعتقدون أن روحه فقدت إلى الأبد، وهناك 90% من الشبان يعودون إلى حياة الآموش. ولكن ما هي أهم معالم عقيدة وحياة الآموش؟ إنها طائفة لا تؤمن بالتغيير، بل لا بد من الالتزام بالعيش وفق ما جاء بالإنجيل الذي بين أيديهم بحذافيره!! ولديهم مجلس استشاري يطلق عليه (أولد أوردر) -أي النظام القديم-، وهم مجموعة من كبار السن المتدينين يدرسون أي أمر طارئ ويصدرون رأيهم فيه بناء على ما يرونه مطابقاً لتعاليم الإنجيل. إنها طائفة ضد استخدام منتجات الحضارة المعاصرة، فهي لا تستخدم الكهرباء، ولا تستخدم السيارات، ولا تستخدم الهاتف ثابته ومتنقله، فضلاً عن الإنترنت، والقنوات الفضائية، ويمكن استخدام بعض تلك الأدوات عند الضرورة، مثل إسعاف المريض، واستخدام الهاتف العام للإبلاغ عن حريق ونحوه، وبدلا من ذلك يستخدمون عناصر الطبيعة، فلديهم نظام مواصلات بسيط قائم على عربات تجرها الخيول، ويستخدمون القرب لتبريد الماء، ويستخدمون الحيوانات في الحرث والزراعة، ويستخدمون سمادها الطبيعي لتخصيب التربة، ولهذا فإن منتجاتهم التي لا تستخدم الكيماويات تباع بأسرع وقت، وبأسعار عالية لتكالب الناس عليها، وإقبالهم على شرائها، ورغم أنهم يعيشون في وسط أمريكا فإنهم يحرمون الموسيقى، ويحرمون الخمور، ويحرمون الزنا، ولا تتعلم البنت عندهم إلا إلى نهاية المرحلة الابتدائية، والمرأة عندهم تلبس لباساً ساتراً فضفاضاً، وتغطي في الغالب شعر رأسها بلباس أبيض إذا كانت متزوجة، وبلباس أسود إذا كانت عزباء، والشاب إذا تزوج أطلق لحيته، وقبل ذلك يحلقها، وبهذا يمكن التفريق بسهولة بين المتزوج والأعزب، ويضاف إلى كل ذلك أن هذه الطائفة تحرم التصوير، وتحرم التأمين بجميع صوره، فكل شيء في نظرهم قضاء وقدر، ولهذا فلديهم عوض عن التأمين تكافل اجتماعي قوي، فهم يقفون مع من أصيب بنكبة ويساعدونه بأموالهم وبجهدهم حتى يتجاوز نكبته، ومن الأشياء التي يؤمنون بتطبيقها في معاقبة الزوجة الهجر، والبعد عن الزوجة، هذه أهم ملامح حياة الآموش المستمدة من تعاليم الإنجيل كما يفهمونها، ونلاحظ أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين تلك التعاليم، وبين ما نؤمن به نحن المسلمين مثل تحريم الزنا، والخمور، والتكشف والسفور للمرأة، وهذا يدل دلالة قاطعة أن مصدر الأديان واحد، وقد لاحظت ما يمكن اعتباره من بقايا الرسالات السابقة في بعض المجتمعات البدائية مثل بعض الهنود الحمر في أقصى جنوب أمريكا اللاتينية، وهناك من ينظر إلى جماعة الآموش على أنها جماعة متخلفة، وانعزالية، وتعيش في الماضي، وهناك من يغبطها على حياتها، وبساطة طريقتها في الحياة، والحقيقة أن هناك بعض الجوانب الإيجابية في تلك الحياة، وهناك بعض الجوانب السلبية فيها، ولعل أبرز الجوانب السلبية يتمثل في تحريم استخدام منتجات الحضارة المعاصرة، ولقد سمعت أن في بعض البلدان المسلمة فئة تشبه فئة الآموش، حيث يعيشون حياة عزلة، ولا يستخدمون وسائل الحياة المعاصرة، وهذا انحراف واضح عن تعاليم الإسلام المشرقة فالله سبحانه وتعالى يقول {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (32) سورة الأعراف، ودين الإسلام فيه أفضل ما عند الآموش من تحريم الزنا وتحريم للخمور، وتحريم للغش والرذيلة بصورها المختلفة، والله من وراء كل شيء