منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل


منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل

منتديات السديرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السديرةدخول

description????صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف




كان أبى مقاولاً ثرياً وصاحب ثقافة وسيطة وعامة مع اهتمام كثيف بالإجتماعيات والكورة والفن السودانى والعربى وبعض الأشعار .. وكان يحب أولاد شمبات والخير عثمان ، وأورثنا هذا الداء الجميل.

لم يكن متديناً بالمعنى السلفى الملزم ، ولكنه كان سودانى السجايا والسلوك ، متسامحاً وديمقراطياً.

تربيته كانت لى ولإخوتى وأخواتى شفيقة وبلا إملاءات .. وكان فيها الكثير من الدلع الحميد والصرامة المحسوبة.

أمى كانت إمرأة نصف متعلمة وذات رؤية ظاهرية للناس والأشياء، وكانت مستغرقة فى التفاصيل حتى الثمالة.. بيتها نظيف ودعواتها فاخرة .. وكانت تهتم بمظهرها ومظهر بناتها بصورة لافتة .. وعندما كانت ترى الإستنكار فى وجوهنا من المبالغة فى الأشياء كانت تدافع عن نفسها بعبارة لطيفة أصبحت محفوظة لنا :" أنا يا أولادى بحب الحاجة السمحة ما تقولو بوبار " ..

الحاجّة والحاجة السمحة هذه صارت شعار منزلنا ، ولكننى أعترف انها كانت ببعدها " البرّانى " فقط دون إرهاق الدواخل.

كنت يومها قد تخرجت فى الجامعة وغنّت لى، وكانت ذات صوت عذب:

نارى أنا ..

المهندس جا ورسم البُنا ..

الدكتورة ولادة الهنا ..

والصدير الما رضّع جنا ..

كان كل الغنا تهيئة ذكية لبيت الحلال.

وفى أمسية عجيبة قبل ربع قرن من الزمان دخلت علينا صبية مثل المهرة .. كانت الإبنة الصغرى لحاج عباس المقاول الكبير صديق أبى .. وكانت يومها خريجة طب من جامعة الاسكندرية.

بضّة .. بيضاء .. فارعة .. فيها اعتداد وأنفة ، وقد ذادتها الدعة حسناً استثنائياً .. وقد أعجبتنى عبر ثقافة " البرّانى " التى تربيت فيها ، وعليها أن أرى وضّاح المحيا دون أن أرى غموض الحياة والحياء.

أمّا امى فقد تكاثفت و" واتكسرت " فيها وعليه كما يقول أهل الخرطوم .. وتكسرت هنا تصلح للفصيح والعامية ، وهى تعنى كل الإحاطة والتبعثر فى آن واحد تجاه المدهش.

ومابين نظرة أمى ونظرتى ونظرة أبى وابتسامته البيضاء ودهشة اخوتى واخواتى وتمنّع الدكتورة المحسوب ونظراتها المعلقة فى الفضاء أصابنى داء التولّه والعشق الذى لا براء منه.

كنت عريساً بعد شهر واحد ، وصرت بعد شهر واحد الخادم الطوعى لزوجتى الأنيقة الساحرة البضّة " البى دلالها ".

سحرتها الفيللا والألبسة والاكسسوارات ، وغمرها كرم أبى وكرم أبيها .. صارت لها سيارتان ، وتركت بعد مولودها الأول العمل بالطب ، واعتكفت فى عبادة دؤؤبة بكل تفاصيلها الجمالية ، من الرمش مروراً بالظفر حتى أخمص القدمين ، بكل مياه الورد والعطر وخشب الهند المثير .. الجامد منه والنثير .. ومابين العطور والاكسسوارات والذهب والماس وكلمات إعجاب الناس المتناثرة فى كل خفل ذهبنا اليه أو مناسبة صار حبيب القلب " خدمتو جليدو " أسيراً للهتافات والإعجاب ..

ولقد مررت بمراحل عدة ، الأولى الإنبهار .. والثانية الإعجاب ، ثم النقد الشفيف ، ثم المصادمات ، ثم القرف غير المفرط .. ثم الصمت الجميل.

" مسكين أنا " .. فبعد فترة اكتشفت _ وأنا فى تهيؤاتى _ أن الأيام قد " سرحت " وأصبح ابنى ووابنتى فى الجامعة ، وفات زمان الإصلاح والتثقيف والتواضع .. وفات زمان العمق والتروّى والبساطة ، وأصبحت كل دواليبى مليئة بمجلات الموضة والديكور وروزنامات بيوت الأزياء والعطور وأزمنة الاجازات ، وطار الكتاب الى غير رجعة.

بصراحة أنا منذ ربع قرن متزوج " بفتاة الغلاف " ، تلك التى تحاصرنى بشتى الأساليب وإبداع وسحر بيوت التجميل وأثر الأيام على وجهها وقوامها ولدانتها وابتسامتها.

ولكن " ربك رب الخير " لأن زواج ابنتها بعد شهر واحد ، وقد حاولت هى المستحيل لتأجيله بدعوى أن العريس غير مناسب ، ولكننى وابنتى المبروكة قهرناها لأول مرة .. ولأول مرة رأيناها تبكى بعد أن أبكتنا طويلاً ، لا على الاختيار ولكن على التنبيه المر بأن زمان الشباب قد ولّى أو كاد ، نعم و "ربك رب الخير " لأن قتاة الغلاف أصبحت تقترب رويداً رويداً من الخمسين .. وأنا بهذا أول رجل فى الدنيا ينتظر زوجته بسعادة حتى تهرم وحتى تصير حبةبة لتسقط من على ظهرها عبء الظاهر الكثيف ليرى عليها عمق الباطن اللطيف .. ولأغنى مع النابلسى:

يا كثيفاً يلومنى فى لطيف

أنا لا أرعوى الى النصّاح

لقد أردت منى شيئاً محالاً

كيف تسلو زجاجتى مصباحى

وكلما سرحت فى مستقبلى السعيد القادم بلا عودة ، دخلت أمى عليها وأشبعتها مدحاً ونسيباً وتقريظاً ، فتعود هى من جديد مراهقة لتملأ علينا البيت بأغنيتها المفضلة " خلاص كبرتى وليك تسعتاشر سنة " .. انها تحتفظ بهذه الأغنية بعدة نسخ وبإصرار وبصوت وردى بتاع الستينيات السعيد .. ونكاية بالحلم الزائف كنت أقاطعها بأبيات العباسى اليائسة أو قل الوقورة المتصوفة:

يا بنت عشرين والأيام مقبلة ماذا تريدين من موعود خمسين

نعم أنا موعود " مع أن موعود سبعين مناسبة " وهى كذلك ولكن العباسى بالغ فيها .. ولكن صورة الغلاف لا تبلى ، لأن زوجتى تصر على أنها من ذلك الورق المصقول النبيل ، وأن مهمتى هى المراقبة وتنظيف الإطار .. إنى أعترف بأنى أفعل ذلك بحسن نية أو باعتياد كُتب علىّ .. وهو خليط من العشرة والإعجاب الخفى واحتمال الأذى ..ولأنها أيضاً أم الأولاد والأبناء .. إنى عزيزى القارئ قد كففت منذ سنوات عن الاعتراض ولكنى أعترف ..!! فهل ستكون هذه دعوة للبيوت السودانية لكتابة تاريخنا الإجتماعى الذى يمضى فى شفاهية .. دعوة قابلة للتوثيق .. أرجوا ذلك.

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
مشكوووور على الموضوع الرائع

موضوعك يستحق أحلى تقييم +

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
يسلموووو لعى الموضوع

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
شكرا وردة gooood لا تعليق

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
حقيقى موضوع رائع يا باشمهندس معاذ..ويستاهل احلى تقييم

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
شكرا

description????رد: صديقنا يعترف بزواجه من صورة غلاف

more_horiz
مشكور مهندس معاذ
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد