منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل


منتديات السديرة
أنت غير مسجل لدينا . للتسجيل اضغط على زر التسجيل

منتديات السديرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السديرةدخول

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (1)




المكان : قلب مدينة أمدرمان
الزمان : ذات خريف في الشهر العاشر من السنة الميلادية
الساعة : عندهـا كان منادي الفجر ينادي ان حي على الفلاح اطلق ذلك الصغير اول صرخاته معلنا قدومه الى هذا الكون مسجلا حضوره وكأنه يقول افسحوا لي المجال فقد جئت و ياله من حضور.
عمت الزغاريد ذلك البيت الذي لم يكن هادئا يوما فقد تعود الجيران وحتى المارة بذلك الشارع على اصوات الذكر والمدائح النبوية و- صوت النوبة* العالي - ومنظر الطلبة أو (الحيران*) وهم يرتلون آيات القرآن ويدرسون العقيدة فقد كان هذا المنزل ملك لذلك الشيخ الجليل والمشهور وله من الاتباع او (الحيران) مايعجز المرء عن احصائهم في ليلة وضحاها.
اما زوجة ذلك الشيخ فهي نعم الزوجة التي يقال عنها (هدية و رضية) لاخلاقها وادبها ويعرفها الجميع على انها المضيافة التي لايغادر بيتها ضيفا الا ويدعو لها بكل مايمكن ان يدعو به المرء وهو راض.
وفوق هذا تعود عليها هؤلاء التابعين او (الحيران) كأنها امهم الحقيقية فأطلقوا عليها اسم (أم الفقراء) والفقراء في الأدب الصوفي هم الفقراء لله وليس فقراء لعدم المال او الجاه , هم الزاهدين في الدنيا الراغبين في ملاقاة المولى عزوجل .
بعد كل مظاهر الفرح تلك خرج ذلك الشيخ الى الملأ واعلن عن اعتزامه بناء مسجد شكر لله تعالى على هذه النعمة التي اعطاها له أما أم الفقراء فقد كانت فرحتها لاتحدها حدود وكيف لا وقد عوضها الله تعالى بهذا الابن عن ابنها البكر الذي مات ولم يكمل عامه الأول لذلك اعلنت على الملأ من صويحباتها انها تتبرع بكل ماتملك من زينة وحلي ذهبية واموال مشاركة منها في بناء ذلك المسجد والذي اطلق عليه فيما بعد اسم مسجد الفقراءلله.
هكذا بدأت نشأة ذلك الطفل منذ اليوم الاول وهو محاط بكل مظاهر الاهتمام والتمجيد ووووو ...
لما لا وهو الابن الاكبر لابيه الشيخ أي انه الخليفة المنتظر لهؤلاء الحيران وهو من سيستلم الراية بعد ابيه وهو من سيحافظ على هذه النار(نارالقرآن) الا تنطفيء.
وهكذا بدأ ابن الشيخ أول خطواته نحو النجومية المنتظرة وهو واثق من كل الظروف المحيطة فنشأ طفلا مدللا ومميزا حتى بعد ان انجبوا له من الاشقاء ولدا وبنتا كان هو محط الاهتمام لايرد له طلب مرتاحا ومتجاوزا جميع الظروف التي تواجه الاطفال في سنه الى ان بلغ من العمر خمسة سنوات....

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (2)



بداية التناقض - المسجد و الكنيسة


في العام الخامس من عمره لاحظ الشيخ ميول ابنه لتعلم كل شيء والسؤال عن كل شيء فقرر ان يلحقه برياض الاطفال وبحث عن روضة مناسبة ولكن لأم الفقراء رأي آخر حيث كانت مصرة على تعليم ابنها اللغة الانجليزية رغم صغر سنه واحتارالشيخ بين روضة ومدرسة ومعهد الى ان اقترح خال الابن مدرسة يتم فيها تعليم اللغة الانجيزية من الصف الاول التمهيدي وهي تابعة لاحدى الكنائس المسيحية الاسقفية فجن جنون الشيخ اذ كيف يلتحق ابنه بالكنيسة وهو الذي يتعلم الناس القرآن في منزله؟
دارت شبه معركة بين الشيخ وأم الفقراء والخال وبعض الاهل فمنهم من يرى انه شيء طبيعي لن يؤثر على الابن بل سيستفيد منه كثيرا والبعض الاخر يرى عكس ذلك الى ان استقر الرأي على الحاق الابن بهذه المدرسة بالاجماع من الاهل وأم الفقراء وكذلك ابن الشيخ الذي وجد ان احد اصدقائه يدرس بها فأصر والح على ابيه الى ان رضخ لرغبة ابنه والحقه بالمدرسة المسيحية أو مايسمى بالكمبوني.
وكانت اولى العقبات هي عدم وجود مادة التربية الاسلامية ضمن المنهج فكان ابن الشيخ يأتي بعد نهاية اليوم الدراسي الى البيت ليلقي بحقيبة كتبه ويمسك بــ (اللوح*) والقلم و (الدواية*) ويجلس القرفصاء مثله مثل الحيران أمام شيخ بشير وهو الموكل بتعليمه ليتلقى منه علم الحديث والعقائد ويحفظ على يديه آيات الكتاب وكان يسميها الحصة الاخيرة وكان شيخ بشير هذا - وبأمر من الشيخ الكبير - حازما معه شديدا عليه عكس الحيران الذين كانوا يبالغون في احترامه وتنفيذ رغباته باعتباره خليفتهم المرتقب وكان هو - ابن الشيخ - سعيدا بهذا التميز يتباهى به امام اقرانه واصدقائه وعندما بلغ التاسعة من العمر كان قد حفظ من القرآن نصفه كاملا وهو لايزال في تلك المدرسة التابعة للكنيسة في ذلك الحي الهادي بقلب مدينة امدرمان.
ومن العجيب ان صاحبنا هذا كان يجلس ويستمع الى حصة التربية المسيحية رغم انه وزملائه وزميلاته المسلمين كان مصرح لهم بالخروج الى فـناء المدرسة الداخلي اثناء هذه الحصة مما احدث جدالا مستمرا بينه وبين احد المعلمين فأثناء الدرس كان صاحبنا لايفوت شيئا غير مقتنع به ويصر على شرحه ومغالطة المعلم حسب ماتعلمه من شيخ بشير الى ان جاء يوم وشرح المعلم للتلاميذ ميلاد المسيح عليه السلام فجن جنون صاحبنا واخذ يجادل ويغالط حتى تم طرده من الحصة واعطائه انزارا كتابيا مع استدعاء ولي أمره للحضور الى المدرسة فماذا حدث؟؟

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (3)






في ذلك اليوم رجع صاحبنا الى البيت وهو مثقل بكل هموم الدنيا وقد ظهرت جميعها في محياه وكأنه في التسعين من العمر فكون اباه الشيخ يأتي الى الكنيسة هذه احد عجائب الدنيا السبعة وكونه لايسلم خطاب الاستدعاء لأبيه فهذه مصيبة اخرى فهو لم يتعود الكذب طوال تسع سنوات هي عمره الغض وفوق هذا كان يحمل بين جوانحه لهذا الشيخ المهيب - والده - خوفا يتعدى حدود المعقول رغم انه مدلل في كل شيء ويحصل على كل شيء , وكيف لايخاف وهو يرى الناس من حوله وبينهم الدكاترة والمعلمين واساتذة الجامعات والبسطاء ومختلف انماط البشر مجتمعين جاثين على ركبهم وعيونهم على الارض احتراما لأبيه وكيف لايخاف وهو الذي جاهد جهادا شديدا ومعه خاله وأمه - أم الفقراء - في اقناعه للالتحاق بهذه المدرسة؟
قضى ابن الشيخ ظهر ذلك اليوم كله يفكر ويفكر ولم يخرج الى (الديوان) ليدرس الحصة الاخيرة مع معلمه شيخ بشير ولاحظت أم الفقراء ذلك فسألته عن السبب فكان سؤالها وكأنه صفعة على خده الصغير من يد ذلك المعلم الذي لم يقتنع بأرائه فتجمعت كل احاسيس الرفض من ذلك المعلم مع عجزه عن اقناعه بماتعلمه من شيخ بشير وخوفه ايضا من العقاب المتوقع من شيخ بشير لكونه لم يحضر الحصة الاخيرة وتوجت كل هذه الاحاسيس بهيبة والده وخطاب الاستدعاء وخشية ان يفقد مقعده في تلك المدرسة التي احبها فأجهش ابن الشيخ بالبكاء لأول مرة في حياته.
عندها جلست أمه بجانبه ومعها شقيقه وشقيقته التي كانت في عمر لايسمح لها بفهم مايدور حولها الا انها جلست تبكي هي الاخرى لا لشيء ولكن فقط لبكائه هو.
وبعد موجة البكاء هذه استجمع صاحبنا شجاعته وجلس مستقيما يحكي لأمه ماحدث في المدرسة وكيف تصرف هو مع ذلك المعلم وخطاب استدعاء ولي أمره وكيف رفض هو استلام الخطاب ثم تهديد مدير المدرسة بفصله في حال لم يحضر ولي أمره خلال 3أيام.
طلبت أمه رؤية الخطاب وبعد ان قرأته جيدا صمتت لبرهة أحسها هو وكأنها الدهر وعلى محياها علامات التفكير العميق فأصابه القلق لأنه يعلم ان أمه حاسمة وسريعة في قراراتها ولاتحتاج كل هذا الوقت للتفكير في مخرج من هذه المشكلة ولم يكن يدري انها في قرارة نفسها قد اتخذت قرارها وهنا وقفت الام وارسلت شقيقه الاصغر ليستدعي كمال - وكمال هذا من ابناء شمال السودان وهو من (الحيران) المخلصين المقيمين بمنزل الشيخ الخادمين له بالغالي والنفيس وكان بالسنة النهائية بكلية الطب وهو الآن طبيب مشهور يعمل بأحدى الدول العربية - وأتى كمال فطلبت منه أم الفقراء ان يذهب ليأتي بأخيها وسمحت له بأخذ السيارة الكبيرة واعطته مفتاحها فذهب كمال فورا وأتى بالخال فشرحت أم الفقراء لأخيها ماحدث وكان هذا الخال حكيما فأخذ الخطاب وذهب الى الشيخ في مجلسه وجلس بجانبه بعد ان حيا الحضور الجالسين على الارض كل هذا وابن الشيخ منتبذا ركنا قصيا مراقبا لمايحدث وفجأة صاح الشيخ مناديا صاحبنا الذي كان يقف بعيدا في ركنه وهو يتصبب عرقا وعندما وقف امامه ابتسم الشيخ لأبنه ابتسامة جمعت في معناها كل حنان الدنيا وكل حزم الدنيا وكل الاشياء المتناقضة في الدنيا ولم يخفف حرارة هذه اللحظة الا قيام الحيران واقفين احتراما لدخول ابن الشيخ المجلس كعادتهم دائما فاشار لهم ابن الشيخ براسه وهي علامة تعني اجلسوا فجلسوا وبين وقوفهم وجلوسهم وفي تلك البرهة من الزمن التي مارس فيها سلطاته على الحيران استجمع شجاعته مرة اخرى واستدار مواجها ابيه مستعدا للدفاع عن تصرفه في المدرسة, فسأله فأجاب بكل الذي حدث بالتفصيل وكيف ان ذلك المعلم قد قال له ان كل ماتعلمه في البيت لافائدة منه وهنا نظر الى شيخ بشير الذي هز رأسه متعجبا فزاده شجاعة واستمر يحكي الى ان وصل الى نقطة وجه فيها سؤاله الى ابيه هل هنالك اناس مثلنا لا دين لهم؟؟
فصمت الاب ثم سأله كيف استنتجت هذه المعلومة فقال ابن الشيخ: لقد سألت المعلم كيف لاتؤمن بالاسلام فأجابه المعلم:( لقد درست الدين الاسلامي والمسيحية واليهودية واحفظ القرآن كاملا ولكني لم اجد دينا واحدا يقنعني لذلك فضلت ان اكون هكذا الى ان اقتنع بأحدهم).
وهنا ثارت ثائرة الحيران واخذوا يهمهمون ويستغفرون ويحوقـلون وابن الشيخ سعيدا بهذا النصر الذي انجزه والذي رفعه في نظر الحيران وفي نظر ابيه الذي اقتنع بأنه لم يرتكب اثما بجداله مع ذلك المعلم وحينها امر الشيخ احد حيرانه بالحضور باكرا وتجهيز السيارة غدا صباحا للذهاب الى المدرسة ومعه الخال وابنه.. فماذا حدث في المدرسة وكيف تصرف ذلك المعلم؟؟

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (4)




لم يكن ذلك الصباح مثل كل الصباحات , كان صباحا غريبا استيقظ فيه ابن الشيخ قبل أذان الفجر وعلى غير عاداته جلس بجانب ابيه في (الخلوة*) وتناول مصحفا واخذ يرتل ماتيسر له منه , ثم حانت ساعة الصلاة فبادر باقامتها قبل شيخ بشير كل ذلك وهو يختلس النظر الى ابيه ليتبين تأثير الامس وهل لازال راضيا عنه أم قد تغير رأيه.
وحانت ساعة الذهاب وأتى ذلك السائق ليقلهم الى المدرسة فركب صاحبنا في آخر العربة ولأول مرة يشعر ان الطريق قد صار طويلا الى مدرسته وكأن هذا السائق يتعمد تأخيره وأخيرا وصل الركب الى مشارف ذلك الحي ولمح مدرسته من بعيد وبدأت المسافة تقصر وتقصر وتمنى في هذه اللحظة ان يغمض عينيه ويفتحهما ليجد ان هذا الأمر قد تم حسمه وتجاوزه.
دخل الشيخ اولا ثم تبعه صاحبنا وكان ذلك المعلم واقفا يخطب في الطابور الصباحي وقد اصطف التلاميذ حوله في مربع هندسي جميل فلفت صاحبنا نظر ابيه مشيرا الى المعلم بكونه هو المقصود فوقف الشيخ في مكانه حتى استدار التلاميذ وتوجهوا الى فصولهم وهنا التفت المعلم الى الشيخ وابنه واتى يحييهم ثم اخذ الشيخ الى مكتبه وأمر صاحبنا بالوقوف خارج المكتب الى ان يستدعيه.
مرت ساعة ونصف على هذا الوقوف والانتظار المرير وصوت المعلم يعلو ثم يهدأ مرارا وتكرارا والعجيب في الامر ان صاحبنا لم يسمع صوت ابيه طوال هذه المدة فجلس على الاريكة الموضوعة خارج مكتب المعلم ثم فجأة خرج الشيخ وتبعه المعلم وعلى وجهه ابتسامة لم يتبين نوعها فنظر الى ابيه ووجد ان وجهه يحمل من التعابير ما لم يستطيع ان يفهمه فانتابته الحيرة ووقف منتظرا القرار الذي اصدرته هذه القمة وهو يتسائل في نفسه هل تم فصله من المدرسة؟ هل انكر المعلم ماحدث بالأمس وحمله المسؤولية؟ هل روى لأبيه شيئا لم يحدث بالامس ؟ هل كان دفاعه عن كل ماتعلمه من شيخ بشير باطلا؟.
وسرح صاحبنا وسط هذه الهواجس ولم ينتبه الى صوت المعلم وهو يأمره بالذهاب الى فصله الا بعد تكرار الامر للمرة الثالثة فاحتار صاحبنا وتمنى في هذه اللحظة ان يشرح له احدهم ماحدث بالداخل الا ان صوت الشيخ اتاه حاسما (ياولد اسمع الكلام واذهب الى فصلك) فتحرك متثاقلا الى الفصل بعد ان تناول من ابيه ورقة نقدية هي مصروفه اليومي وفي نصف المسافة الى الفصل حانت منه التفاتة فرأى المعلم وهو يصافح الشيخ ويودعه بحرارة ورأى شيئا آخر لم يصدقه حتى انه اقنع نفسه انها اضغاث احلام.
وكان قد رأى معلمه وكأنه ينحني للشيخ انحنائة بسيطة وهو يصافحه فزادت حيرته ووقف واستدار استدارة كاملة ليرى بوضوح فلم يلحظ الا ذلك السائق وهو يترجل من العربة ليفتح الباب للشيخ ويلوح لصاحبنا مودعا وينطلق.
لم تكن حصة التربية المسيحية مدرجة في جدول ذلك اليوم مما اتاح لصاحبنا فرصة الا يصطدم بالمعلم وهي فرصة حمد الله عليها كثيرا فلم يكن مستعدا لمواجهة معلمه أو الدخول معه في نقاش جديد الا بعد ان يعرف تفاصيل ماحدث اليوم بين ابيه والمعلم ولن يعرف الا بعد ان يرجع الى المنزل وبعد انقضاء الحصة الاخيرة مع شيخ بشير حيث ينوي ان يسأل أم الفقراء حيث انها الوحيدة التي يبوح لها الشيخ بكل شيء مهما صغر في نظره ولكن مر ذلك اليوم والذي يليه ولا خبر عما حدث في مكتب المعلم وحتى المعلم نفسه لم يفتح ذلك الموضوع معه في المدرسة ولم يجادله هو اثناء درسه.
مرت اربعة ايام لم يعرف فيها صاحبنا تفسيرا لما حدث ولا تفسيرا لتغير معاملة المعلم له حيث صار لايتكلم معه ولايكلفه بأشياء من دون التلاميذ مثل السابق بل صار يعامله وكأنه غير موجود وفي اليوم الخامس وبعد صلاة المغرب مباشرة ذهب صاحبنا الى البقالة القريبة من البيت لشراء غرض ما , وعندما رجع دخل الى (الديوان) من الباب الكبير فرأى ضيفا تدل ملامحه على انه من ابناء جنوب السودان وهو جالس على الكرسي العالي يمين الشيخ ولفت نظره ان ذلك الضيف ينتعل حزائه ولم يخلعه مما يعتبر مخالفة صريحة في حضرة الشيخ داخل هذا الديوان الذي يعد زاوية أو مسجدا مصغرا تقام فيه الصلوات ويجب احترامه فتقدم ليرى هذا الدخيل على الديوان وكانت المفاجأة انه (مايكل اغاستينو) معلم اللغة الانجليزية والتربية المسيحية في تلك المدرسة التابعة للكنيسة .


descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (5)






ألجمت المفاجاة ابن الشيخ
وقف بباب (الديوان) يتأمل في هذا الحدث الفريد من نوعه غير مصدق لما يرى من جلوس ذلك المعلم المسيحي بل الكافر لا بل النصراني ولم يستطيع تحديد نعت معين في ذهنه بسبب عدم وجود ديانة يعتنقها هذا الجالس جوار والده لكي يصفه بها فقد اخبره بأنه لم يقتنع بكل الاديان رغم علمه واطلاعه بل وحفظه القرآن كاملا ففضل البقاء هكذا الى ان يشاءالله امرا كان مفعولا.
طالت وقفة صاحبنا وحيرته الى ان جاءه صوت الشيخ هادئا : ياولد تعال سلم على استاذك .
هنا انتبه صاحبنا واستعاد توازنه وبعد ان أومأ برأسه تلك الايمائة آمراً (الحيران) بالجلوس , تقدم هو راسما ابتسامة باهتة ومد يده الى المعلم بالسلام وتمتم بعبارات مبهمة لم يسمعها سواه الا ان المعلم فهم انها عبارات ترحيب به فرد عليه بأحسن منها وسأله عن أحوال دروسه وكيف يراجع واجباته مبديا اهتمامه بحال صاحبنا الذي كان يرد على معلمه وهو غير مستوعب للأمر حتى هذه اللحظة, فقد دارت في رأسه الصغير عدة تساؤلات بل عدة مخاوف من أن هذا المعلم قد أتى اليوم ليكمل باقي تلك المشكلة التي يحسبها صاحبنا قد حسمت ولكن مجيئه اليوم يؤكد انها لم تحسم بعد بل يؤكد حسب اعتقاده انه قد تم فصله من المدرسة واكبر دليل على هذا هو مجيء المعلم بنفسه الى البيت ليسلم الشيخ خطاب الفصل .
لكن ألم يكن هو موجودا بالمدرسة اليوم حتى نهاية اليوم الدراسي؟؟
اذن لماذا لم يتم تسليمه هو هذا الخطاب ولماذا لم يبلغه السيد الناظر بالأمر؟؟؟
تساؤلات كثيرة وكبيرة دارت في مخيلة صاحبنا فالتفت بشكل لا ارادي الى شيخ بشير الجالس خلفه وكانه يتاكد من وجوده فأبتسم شيخ بشير وابتسم صاحبنا والتفت ناحية ابيه وكأنه يعلن تعيين شيخ بشير كمحامي يدافع عنه لدى ابيه اذا تطلب الأمر.
وهنا قطع حبل افكار صاحبنا صوت أحد (الحيران) وهو يؤذن لصلاة العشاء فتقدم ليتوضأ ثم قام للصلاة خلف ابيه واصطف الجميع فالتفت صاحبنا ليرى معلمه فوجده يتقدم خارجا ويخرج من جيبه علبة سجائره الروثمان وولاعة ذهبية فتابعه بنظره الى ان اختفى خارج الديوان .
بعد انقضاء صلاة العشاء عاد المعلم مرة أخرى ولكن هذه المرة لم يجلس قرب الشيخ في الديوان بل وقف في منتصفه وكانه في انتظار أمر أو شخص ما , وهنا التفت الشيخ الذي كان يتمتم لشيخ بشير الجاثي قربه ببعض العبارات التي اجتهد صاحبنا ولم يستطيع سماعها فرأى المعلم وابتسم له وقاده ممسكا بيده الى داخل المنزل والى أين ؟؟ الى داخل (الخلوة) الخاصة بالشيخ وتبعه شيخ بشير واغلقوا بابها عليهم جميعا , فأسرع صاحبنا الى أمه ( أم الفقراء) وجلس يحكي لها كل ماحدث بالديوان فوجدها غير مستغربة من الأمر وكانت قد تعودت على أمور أكثر غرابة من هذه فهدأت من روع صاحبنا ووعدته بمعرفة الأمر من ابيه الشيخ وأنه لادخل له في الموضوع رغم عدم معرفتها به.
تكررت زيارات المعلم الى منزل الشيخ حتى وصلت خمسة زيارات في خمسة أسابيع حيث كان المعلم يحضر كل أحد من كل أسبوع ويجلس مع الشيخ وشيخ بشير داخل (الخلوة) بعد صلاة العشاء وحتى وقت متاخر او حتى يغط صاحبنا في نوم عميق استعدادا ليوم دراسي حافل ينوي في كل مرة ان يسأل معلمه عن سبب زياراته المتكررة الى والده ولا يستطيع الى أن اتى يوم اعلن فيه الشيخ عن دعوته لعدد من الشيوخ الكبار والمعروفين ومجموعة من الاصدقاء والاهل بمناسبة إقامة (ليلية*) يوم الجمعة القادم.
مرت الأيام سراعا وأتى يوم الجمعة الموعود وكانت أم الفقراء تعد لصاحبنا ثيابه المخصصة لمثل هذه المناسبات وهي عبارة عن جلابية بيضاء ناصعة يميزها جيب أمامي باللون الأخضر مع طاقية خضراء اللون وعصاة صغيرة من الخيزران و(مركوب*) صغير أبيض اللون.
البست ام الفقراء ابنها ثيابه وعطرته بذلك البخور المخصص لمثل هذه المناسبات واعطته عصاته وقدمته وهي تدعو له : الله يعلي مراتبك ياولدي ويعليك فوق المابيك ويحرسك من الحسد والعين ويكبرك واشوفك زي ابواتك ناس (التبروقة*) البجردو(الألفية*) .
تقدم صاحبنا خارج البيت الى الفناء أو الميدان الذي يواجه منزلهم وكانت الساعة قد قاربت التاسعة مساءً وجلس بجانب ابيه بعد ان ألقى التحية على (الحيران) وأومأ لهم برأسه علامة الجلوس وجلس هو على المقعد الأيمن المخصص لإبن الشيخ بصفته الخليفة المرتقب وجال بناظريه على الحضور فوجد مجموعة من الشيوخ المعروفين فقام وحياهم ثم جلس مرة اخرى وكان يؤدي دوره بمسؤلية كبيرة أكبر حتى من عمره الحقيقي وثم التفت يتمعن الحاضرين وفجأة وقف الشيخ فوقف معه كل الحضور ايذانا ببداية (الليلية) وفي الكلمة الافتتاحية قام الشيخ بمناداة شيخ بشير فأتى ومعه شخص يرتدي جلبابا ابيض حافي القدمين حليق شعر الرأس ووقف ذلك الشخص منحنيا أمام الشيخ احتراما له فوضع الشيخ يده اليمنى على رأس ذلك الشخص وامسك بيده ليقف مستقيما وكان ذلك الشخص هو (مايكل اغاستينو) المعلم بتلك المدرسة التابعة للكنيسة.
وجم ابن الشيخ وتخيل نفسه وهو نائم وان هذا الذي يحدث ماهو إلا حلم من الاحلام المحيرة والتي لاتفسير لها واخذ يتسائل ويسأل نفسه وغاب عن الحضور بتوهانه عنهم مع افكاره للحظات طويلة والشيخ يلقي كلمته و(الحيران) يكبرون ويهللون ويصيحون وصاحبنا لايسمع شيئا من كل شيء الى ان انتبه فجأة للصمت المخيم حوله والعيون المشرئبة نحو الشيخ فالتفت شطر ابيه ولمح ذلك المعلم غارقا في دموعه وهو يردد
( أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) صلى الله عليه وسلم معلنا دخوله الى الدين الاسلامي الحنيف.

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (6)




الـتـنـــاقـــــــض




المكان :
أمام خلوة الشيخ


الزمان :
أول ايام عيد الفطر المبارك

وقف ابن الشيخ أمام تلك الغرفة الصغيرة المميزة (الخلوة) في انتظار أبيه ليستأذنه في الخروج لمعايدة الاهل والاصدقاء كعادته كل عيد وايضا ليحصل منه على العيدية والتي دائما ماتكون مبلغا كبيرا من المال يدل على عظم مكانة صاحبنا عند ابيه وتدليله له , ورغم انه قد بلغ الثالثة عشرة من العمر الا ان والده لازال يراه طفلا لم يتجاوز السنتين .
كان ابن الشيخ قد تعود ان يمر على الاهل جميعا ممتطيا دراجته الزرقاء في أول ايام العيد حتى يتفرغ بعدها للنزهة والمرح والانطلاق بعيدا عن كل رقيب او حسيب وهو في ذلك لايخالف عرفا او يكسر قاعدة بل لهوا بريئا ومرحا مباحا لايتجاوز حدود المعقول مع صحبة اختارهم هو حسب نظرته الثاقبة رغم صغر سنه فكانوا من احسن الناس.
مــر اليوم الأول من ذلك العيد روتينيا أدى فيه ابن الشيخ جميع واجباته ومر على جميع الاهل والاصدقاء وكان حاضرا مساءاً للذكر في المنزل مؤديا دوره كإبن الشيخ وممارسا نفوذه على الحيران كعادته وايضا حصل منهم على عيدية ضخمة تؤهله لشراء سيارة لو أراد ذلك.
صباح اليوم الثاني من ذلك العيد خرج ابن الشيخ قاصدا صديقه الوحيد وهو ابن خالته (عبدالله) الذي تعود الا يخرج لنزهة الا معه وبالذات في الاعياد والعطلات الرسمية وكان مقربا جدا منه فخرج الاثنان وتوجهوا الى قاعة الصداقة بالخرطوم كأول محطة للنزهة في ذلك اليوم وكانت القاعة في ذلك الوقت حديثة عهد في مدينة الخرطوم ومعلما بارزا يقصدها العوائل والشباب للمرح والترفيه لما يعرض فيها من افلام متنوعة ومسرحيات وحفلات.
انقضى الوقت سريعا وانتهى الفيلم وخرج صاحبنا ومعه (عبدالله) واجتازا الشارع العام ووقفا في مواجهة القاعة من الناحية الأخرى وكان المكان يعج بالباعة المتجولين ومختلف اشكال والوان البشر والفرحة بادية على وجوههم والجو الغائم ينعكس على صفحة النيل الذي يتماوج ماءه بمرور البنطون قادما من جزيرة توتي وحشد من الناس في انتظاره وصياح الاطفال يضفي على المكان سحرا خاصا.
سرح صاحبنا بعيدا بأفكاره حالما متمتعا بهذا الجمال الذي بدأ يشعر به ويحسه بطريقة مختلفة عن احساس الاولاد في عمره وحانت منه التفاتة نحو قاعة الصداقة حيث كان الناس لازالوا يخرجون منها. وفي تلك اللحظة ....
رآها..
سمراء في لون البن
لها وهج غريب احس به كلسعة الحمى في جنبه الايسر
لها مقلتان ساحرتان تختزلان كل تاريخ نساءالارض
تفاصيلها دقيقة كأن خالقها يأبى ان يشكلها في حجم كبير حتى لاتضيع معالم فنه.
موزونة في كل شيء وكأنها سيمفونية إلهية تعزفها الملائكة على ابواب الجنة.
كل شيء فيها يحثك ان تقترب
كل شيء فيها يدعوك ان تنتحر من اجلها
رأته هي ايضا من بعيد ونظرت اليه بل كأنها توقفت لبرهة فتسمرت عيناه عليها وشعر كأن الكون قد توقف في هذه اللحظة عن الدوران تعظيما لهذه الاسطورة حتى انه لم يشعر بابن خالته (عبدالله) وهو يصرخ بإسمه ويمسك به ويشده بقوة من وسط الطريق العام منقذا حياته من تلك السيارة وصرير اطاراتها يصم اذنيه وصوت سائقها يلعنه
لم يشعر بكل ذلك بل ركز كل حواسه عليها وهي تتجه الى عربة صغيرة بيضاء مع رجل متوسط العمر وامرأة متوسطة العمر وجميلة الملامح لاشك بانها امها ومعهم ولد في مثل سنه تقريبا لم يتبين ملامحه جيدا وفهم انهم عائلتها.
ثم خيل اليه انها التفتت وارسلت له ابتسامة على الهواء فطار فرحا لا بل طار عشقا واصبح قريبا من السحب والنجوم التي لم تظهر بعد.
ثم تابعها بعينيه الى ان ركبت تلك العربة واستقرت بالمقعد الخلفي مع أمها وجلس اخوها بالمقعد الامامي ووالده يقود العربة التي تحركت ببطء اتجاه الشرق ثم مالبثت ان دارت وتوجهت نحو الغرب وفي هذه اللحظة صارت اقرب اليه واتجاهها على اليمين حيث يقف هو على الشارع العام فأحس كان ابوها هذا سيقف الآن ويدعوه للركوب معهم او على الاقل تنزل هي ليرجعها صاحبنا الى البيت وكأنه المسؤول عنها وولي أمرها من هذه اللحظة
ثم خيل اليه مرة اخرى - ولكن ليست كالمرة الاولى فابن خالته ايضا لاحظ - انها عندما مرت بجوارهم تماما رفعت يدها خفية وكأنها تودعه مع ابتسامة ما انزل الله بها من سلطان.
ظل صاحبنا طيلة ايام ذاك العيد يتردد على قاعة الصداقة ولكن هذه المرة ليس للترفيه بل بحثا عن تلك التي صارت المسيطرة الوحيدة على أفقه وعلى حياته ككل , لعلها تعود مرة اخرى مع اهلها او لوحدها رغم استبعاده هذا الاحتمال لصغر سنها حيث لايمكن ان يسمحوا لها بالخروج وحدها في هذه السن واخذ يتساءل هل تشعر به مثلما يشعر بها؟
هل لفت نظرها مثلما فعلت هي؟
ماهذا الاحساس الذي يحسه لأول مرة في حياته؟
هل هو الحب الذي سمع عنه في المسلسلات والافلام؟
هل هو الحب الذي قرأ عنه في الروايات والدواوين الشعرية التي كان يستلفها ويقرأها خلسة في غرفته دون علم أبيه؟
هل هذا هو العشق المذكور في الاغاني التي كان يسمعها من جهاز التسجيل الذي يخبئه عن ابيه في غرفته الخاصة؟؟
هل وهل وهل ............

واخيرا...... هل تعود؟؟؟

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (7)




اللـقـــــــاء



مرت ايام العيد ببطء وكأنها تزيد في عذاب ابن الشيخ وهو يبحث عن تلك التي اسرته ولونت حياته بألف لون ولون وظل صاحبنا يتردد على تلك القاعة حتى اليوم العاشر من العيد ولم يجد لها من اثر.
انتظم صاحبنا في الدراسة واتى يوم اعلن فيه استاذ اللغة العربية وهو المشرف على الفصل الذي يدرس فيه ابن الشيخ اعلن الاستاذ عن تأسيس جمعية أدبية أسبوعية وعلى كل طالب ان يشارك فيها بما يملك من مواهب على ان تكون يوم الخميس من كل اسبوع بالمدرسة فاشترك صاحبنا في نشاط الادب والشعر وقد كان موهوبا فيه بدرجة كبيرة وقد ظهرت تلك الموهبة منذ المرحلة الابتدائية وهاهو يجد الفرصة اخيرا لاظهارها على الملأ فصار يفوز في المطارحات الشعرية بأبيات يملكها من قبل او كلمات يؤلفها اثناء المطارحة الشعرية فحاز اعجاب جميع المعلمين والطلبة المهتمين بهذا اللون فصار صاحبنا ينتظر يوم الخميس هذا بصبر جم حتى اتى يوم وكان الجميع في فسحة الفطور وكان صاحبنا يجلس بالفصل مع قليل من زملائه لايتجاوز عددهم الخمسة يغنون بصوت خافت وهو يغني معهم ويوقع على الدرج مثلهم وكانوا يتركون له الاغنية يغنيها وحده وهو يرددون من ورائه وكأنهم كورس او كورال وفجأة فتح باب الفصل ودخل منه الاستاذ (صديق) وكان مهابا من جميع الطلبة فسكت الجميع الا صاحبنا الذي لم يراه وقد كان منفعلا مع الاغنية وظهره الى الاستاذ فلاحظ صمت اصحابه فسكت والتفت فوجد الاستاذ ينظر اليه وعينيه تقولان الكثير فأيقن في نفسه انه ملاق شر مايلاقيه طالب من استاذه في هذه للحظة.
نظر الاستاذ الى ابن الشيخ وقال له كلمة واحدة - تعال المكتب -
وقف ابن الشيخ امام الاستاذ في مكتب المعلمين وهو خائف جدا من ذلك السوط بيد معلمه الجالس على المكتب فقال له،
المعلم - يعني بتعرف تغني ونحن لينا شهرين بنسأل البعرف يغني منو وانت ماعايز تشاركنا؟؟
ابن الشيخ - انا مابعرف اغني يااستاذ انا بس كنت بشيل معاهم ساكت
المعلم - اسمع وماتقاطعني شايف السوط دا؟؟ والله الخميس الجايي ماتغني في الجمعية الادبية اجلدك عشرين سوط قدام كل الناس.
ابن الشيخ - لكن يا استاذ ......
المعلم - امشي غور من قدامي سريع قبلما اديك العشرين سوط هسه ونادي الكانو معاك ديل يافوضجية انتو قايلين دا بيت ظار؟؟؟
ذهب ابن الشيخ ونادى زملائه فقام الاستاذ بجلدهم جميعا بالسوط الا ابن الشيخ فقد تأجل عقابه الى يوم الخميس القادم .
اتى الخميس سريعا وعقدت الجمعية الادبية التي كان مدعوا لها عدد من معلمي المدارس المجاورة وعدد من الطلبة والطالبات الموهوبين واتى دور الغناء فتقدمت احدى الطالبات وكان اسمها أمل وهي من مدرسة مجاورة لهم وقدمت في وصلتها اغاني جميلة لفتت احداها نظر وسمع ابن الشيخ وهي اغنية (مسكين انا) للفنان الكبير الطيب عبدالله المشهور بأغانيه التي يغلب عليها طابع الحزن العميق فوقف ابن الشيخ دون ان يدري واخذ يصفق لهذه الطالبة ذات الصوت المليء بالشجن ولم ينتبه الا وأعين الاستاذ صديق ترمقه بنظرة تدل على قرب وصلته الغنائية فلم يستطيع التقدم واتى الاستاذ واخذ بيده ووقف به امام الحضور وقدمه لهم كموهبة جديدة في المدرسة تم اكتشافها بالصدفة فاخذ صاحبنا يرتجف من شدة الموقف وهو لايستحضر اي اغنية محفوظة فلم يكن يحفظ من الغناء الا المطلع الاول فقط عدا هذه الاغنية التي غنتها أمل.
وقف محتارا وخلفه عدد من زملائه ككورال له ولم يدري ماذا يغني والحضور ينظر اليه وينتظر منه الغناء فأمسك بالمايكروفون وشكر الحضور واعتذر للطابة أمل واستأذن منها ان يغني نفس اغنيتها لعدم حفظه غيرها ونظر الى الاستاذ فأومأ له برأسه علامة الموافقة.
بدأ ابن الشيخ يغني والخوف يملأه وهو يرتجف من قوة الموقف والاحراج الذي يشعر به وزملائه يرددون خلفه وقام الاستاذ واحضر مجموعة الطالبات التي كانت تغني مع الطالبة أمل لكي يرددن ورائه الاغنية نسبة لأنهن حافظات لها اكثر من زملائه الطلبة وكان هذا تصرف سليم من الاستاذ وأدى ابن الشيخ تلك الاغنية وفي باله تلك الفاتنة التي لم يجدها ولأول مرة في حياته يشعر بأن في مقدوره ان يعبر عن احاسيسه على الملأ دون ان يخجل منها وأن يغلفها في اغنية يحس كلماتها وحده ويحس الآخرين مايشتهون.
عاش ابن الشيخ بكل تفاصيله في هذه الاغنية وكل كلمة منها احس وكأنها مكتوبة له كتعزية تحكي قصته وحبه الضائع المختفي عنه .
غنى ابن الشيخ وكأنه يغني منذ أمد بعيد.
غنى وكأن الغناء قدر مكتوب عليه لم يكتشفه الا اخيرا
غنى وكان كلما ينتهي من وصلة يكتشف ان بصوته ابعاد تؤهله لإعادة تلك الوصلة بطريقة أخرى اجمل وكان سعيدا بهذا الاكتشاف
غنى وغنى وغنى الى ان اختتم تلك الاغنية وانتبه الى موجة من التصفيق الحار من الحاضرين جميعا وتم اعلانه منذ ذلك اليوم فنان المدرسة الأول.
رجع ابن الشيخ الى البيت وكله سعادة تفيض من عينيه ولمحت أمه (أم الفقراء) ذلك واستفسرت منه فحكى لها كل ماحدث بالتفصيل وكانت سعيدة بهذا الاكتشاف وقالت له انها تعلم منذ وقت طويل بجمال صوته عندما كان يردد المدائح النبوية مع الحيران وحذرته من ان يعلم والده بهذا ووعدته هي بعدم ابلاغه .
مرت سنة على هذه الاحداث صار ابن الشيخ مميزا في المدرسة ومشهورا بالغناء والشعر وتلحين الاناشيد المدرسية وكان بارعا في تحصيله العلمي مميزا عن اقرانه بذكائه الحاد وتفوقه في الدراسة.
وفي ذات يوم وبعد ان انقضى اليوم الدراسي وأتى السائق كي يقله الى البيت وقبل ان يركب العربة لمح مجموعة من زملائه الطلبة متجمعين فسألهم وعرف انهم يزمعون التوجه الى بيت زميلهم أحمد لزيارة أخيه الأصغرالمريض فدعاهم الى أن يركبوا معه ليذهب معهم وأمر السائق ان يقلهم الى بيت زميلهم أحمد والذي كانوا يسمونه الحلبي نسبة للونه ووصلوا جميعا وكان والد أحمد في استقبالهم ودخلوا ووجدوا شقيق أحمد طريح الفراش يشكو من الحمى وأتت أخت أحمد تحمل كاسات العصير
و.... كـــانـت هــــــي .
نعم كانت هي تماما
رآها ابن الشيخ ولم يقوى على الوقوف بعدها
وقفت أمامه تمد له العصير والتقت اعينهم فتسمرت في مكانها
التقت اعينهم في لحظة توقف فيها الكون عن الدوران
مرت لحظة كأنها الدهر لم يقوى هو على مد يده لكوب العصير ولم تقوى هي على التحرك من أمامه واعينهم تبحر في بعضها وعلى محياها تلك الابتسامة التي ما انزل الله بها من سلطان.
كان هو يسترجع تلك الأيام الخوالي ويسترجع يوم التقى بها من بعيد
وكانت هي واقفة امامه تنظر في عينيه وكأنها في انتظار هذا اليوم منذ أمد بعيد
هل كانت مشغولة به مثلما كان هو؟؟
هل كانت تتذكره مثلما كان هو؟؟
هل كانت تبحث عنه مثلما كان يفعل هو؟؟
أسئلة دارت برأسه في طرفة من الزمن لم ينتبه الا الى صوتها _ اتفضل العصير -
هل هذا صوتها هي أم صوت أحد الملائكة قادما من السماء؟؟
هل هذا الصوت لبشر ؟؟؟
هل ...
وتوقفت الساعة وكل شيء وفرغ الكون من الناس والشجر والحجارة وكل شيء عدا ابن الشيخ وهذه التي تقف أمامه فارهة بقوامها ولونها الذي يشبه لون عصير البرتقال الذي تحمله.....

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (8)


من مذكرات إبن الشيخ نقتطف :-



هاءنذا أعود وحيدا كمابدأت
وهاهي الدنيا تقلب لي ظهر المجن
وهذا الشاطيء أراه وقد تغير لونه وتوشح بالحزن
ومقاعدنا فيه التي كانت كعبتنا وكنا الطائفين بها صباحا ومساء
اين انت ياوعدي المستحيل
اين زمانا كان يحضنه الهناء
اين صرحي العالي الذي هوى من حالقٍ
اين أيامنا الحسناوات أيام كنا نغني للهوى أغنيات الحب النبيل

ياحبيبي ظمئت روحي وحنت للتلاقي
وهفا قلبي الى الماضي وناداني إشتياقي

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (9)



لم يسمع إبن الشيخ صوتها وهي تلح عليه بأن يتناول كأس العصير أو سمع ولكنه رضخ لرغبة نابعة من الدواخل في أن يسمع هذا الصوت مراراً وتكراراً بل هذه الموسيقى الملائكية التي تعزفها أنامل الولدان وهم على الأرائك متكئون.
أتاهـ صوت غليظ هذه المرة .. إتفضل ياولدي العصير.. وكان صوت والدها وأردف .. أختك دي ليها ساعة واقفة قدامك ..
أختي ؟؟ هل هذه أختي؟؟ هل أنا سليل الأقمار والشموس وكل نجوم الكون أقاربي؟؟
مد يده بطيئة وهو يشعر بكم هائل من الخجل والإحراج فقد كان واضحاً تركيزه عليها بشدة لدرجة بدأ له وكأن والدها سيطردهـ من المنزل.
إنقضت تلك اللحظات سريعاً واستجمع صاحبنا ماتبقى من شجاعته وأعلن إنتهاء الزيارة وسط إلحاح صديقه أحمد وأهله بأن يتناولوا طعام الغداء وتمنى في دواخله أن يخضع لرغبتهم ولكن كان الوقت قد مر ولامفر من العودة الى المنزل.
قضى إبن الشيخ الأيام التالية كلها يسأل عن شقيق أحمد محاولاً إغتنام الفرصة كي يرى ملهمته وأتت الفرصة أخيراً ولكن ليست كما يتمناها إبن الشيخ فقد أتت الفرصة حزينة مكفهرة الوجه عندما أعلن معلم اللغة الانجليزية في الطابور الصباحي عن ضرورة ذهاب جميع الطلبة والمعلمين لتأدية واجب العزاء لصديقهم أحمد في وفاة والده إثر حادث حركة أليم ثم تبعه بعد إسبوع شقيق أحمد الأصغر متأثرا بمرضه واسقط في يد إبن الشيخ ورغم أنه وجد فرصة التلاقي حيث صار شبه مقيم مع صديقه أحمد وصار يراها كل لحظة ويتحدث معها ولكنه كان حديث الاخ لأخته فلم تطاوعه نفسه على فتح الموضوع أو حتى التلميح به من بعيد أو قريب.
مرت شهور الحداد وتبعتها شهور أخرى وإبن الشيخ متيماً بتلك الفاتنة لايستطيع مصارحتها إلا ببعض حروف يرسلها بعيونه فـتفهمها هي - أو هكذا يتخيل - وترد عليه بمثلها - أو هكذا يتخيل - فيصبح في هم يكبر كل يوم ولوعة تزداد حتى اتت اللحظة المنتظرة وكان قد أكمل المرحلة المتوسطة وأنتقل بتفوق الى المرحلة الثانوية وأنتقل معه بتفوق أيضاً صديقه الحبيب أحمد.
إذا رجعنا قليلاً الى الوراء لوجدنا أن إبن الشيخ وأحمد قد صارا ثنائياً لايفترق... ففي المدرسة يكونا سوياً وبعد المدرسة سوياً وحتى مجاملات الأصدقاء يذهبا سوياً ويأتيا البيت سوياً.
صار بيت أحمد هو بيت إبن الشيخ وكان الشيخ نفسه إذا إحتاج لأبنه يرسل له أحد الحيران في منزل أحمد لكي ينادي عليه ...
حتى أتى يوم عاد فيه أحمد من المدرسة بعد أن تواعد هو وإبن الشيخ على أن يأتيه في منزلهم عصراً وقد كان.
أتى صاحبنا كعادته مهندماً أنيقاً ووجد صديقه أحمد قد أعد الحديقة الصغيرة التي يجلسون فيها دائماً ووضع كاسيت لفنان مشهور آنذاك وأخذ إبن الشيخ يردد ورائه كلمات تلك الأغنية وكانت هي تجلس في الحوش الكبير مواجهة لإبن الشيخ وتمسك بيدها ديواناً لأحد الشعراء كان صاحبنا قد أعاره لصديقه أحمد فحانت إلتفاتة منه نحوها فوجدها تنظر اليه نظرة كلها حب وهيام ويكاد إبن الشيخ يقسم أن هذه النظرة تعني أحبك الى مالانهاية.
هنا وقف إبن الشيخ وناداها وسط إستغراب أحمد ولم يأبه صاحبنا به وأتت هي ووقفت بجانب أخيها و تجمعت كل آهات الأيام الخاليات مع صبر كل تلك السنين وتزينت بشجاعة لم يعهدها إبن الشيخ في نفسه من قبل فوقف هو الآخر وأمسك بيدها وقال: أسألك سؤال؟؟
إرتبكت تلك الملهمة للحظة ثم أجابت : أسأل
إبن الشيخ : تتذكري أول مرة إتلاقينا وين ومتين؟؟
الملهمة : إنت بتتذكر؟؟
إبن الشيخ: إتلاقينا في القاعة وكان معاك مرأة وراجل وولد وراكبين عربية لونها كذا والفيلم كان اسمو كذا و....
قاطعته قائلة: أيوا دي خالتي فلانة وإبنها فلان وأبوهم وكنت قاعدة معاهم العيد كلو وسافرت معاهم مدني في نفس اليوم داك سبحان الله إنت متذكر دا كلو؟؟؟..
إبن الشيخ: أيوا طبعاً وحتى كنتي لابسة كذا ولونو كذا ولما طلعتوا كنتي راكبة بالجانب الأيمن وووو....
وقفت الملهمة وعلى فمها إرتسمت أكبر دهشة في التاريخ وإندفعت قائلة:
وإنت كنت لابس كذا ولونوا كذا ومعاك واحد سمين لابس كذا وكنتوا واقفين في الحتة الفلانية وووو..
إندهش إبن الشيخ من هذه المعلومات التي تحفظها هذه الملهمة عن ظهر قلب وسردتها على مسامعه وكأنها حدثت بالأمس القريب.
سكت الإثنان وسط دهشة أحمد وأنتبه إبن الشيخ الى أم أحمد وهي واقفة بقربهم وعلى محياها إبتسامة لن ينساها أبداً وكأنها تقول له نعم أنا أدري أنك أنت من كانت تقصده إبنتي وأنا أعرف كل القصة..
تكلم صاحبنا : شوف ياأحمد أختك دي أنا بحبها من زماااا.....
ألجمت المفاجأة إبن الشيخ مرة أخرى عندما قاطعه احمد قائلاً:
أنا عارف يا.......... وأنا كنت ملاحظ من أول يوم جيت فيهو إنت البيت دا في حياة أبوي الله يرحمه وكنت مراقبك ومراقبها وكنت زعلان منك لكن بعدما شفت بي عيني ماعارف أقول ليك شنو.... المهم إنت صاحبي وأخوي ومابتجي منك حاجة شينة وهي برضو أختي - ثم إنفعل قليلاً - بس فك إيدها دي وإنتي هوي يللا أمشي خشي جوه.
هنا إبتسمت الملهمة إبتسامة أفترت عن ثغر تراصت به حبات من اللؤلؤ سطع بريقها لثانية وهي تندفع الى الداخل في نفس اللحظة التي كانت فيها دموع إبن الشيخ قد سالت على خدهـ ولأول مرة أحس بأنه يريد أن يبكي بملء إرادته ولكن هذه المرة دموع فرحة لايسعها الكون وعلا صوته بالبكاء عندما لمح أم أحمد ودموعها تسيل على خدها وعلى ثغرها تلك الإبتسامة الرائعة التي اورثتها لإبنتها وسمعها تقول له .. ربنا يوفقكم ياولدي ويخليكم لى بعض.

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فــــلاش (10)



من مذكرات إبن الشيخ نقتطف.....



مولاي إني قـد ضللت عن الطريق فـدُلَني
مابال شيخي أعرضت عيناهـ عني؟؟
إنني ماذلت ألتمس الـخُـطـا
بشر أنا والعشق يملأني وفني..
طرفةً .. نظرت عيوني عينها في حين أني..
مِـــتُ ستوناً وصوت النوبه غاب
- والذكر يلطم داخلي - ... لـكِــنَ جِـنـِـي
لم يكن يحتاج أكثر من غيابي طُـرفةً
حتى يعيث سمومه فيني ويحيا مـطـمـئِـنِ...

ولن أترك جنون هواي يامولاي قط يوماً لأنِــي
رأيت الله حـرَك أُصـبعين فـجـمَـعَـت مابين من أهوى وبيني...

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فلاش (11)



في تلك الفترة من حياة إبن الشيخ ظهر جلياً إهتمامه بالفن وظهرت مواهبه بعد أن التقى بالملهمة التي كانت حب حياته في زمن اختفى فيه الحب الصادق النبيل , وكان من فوائد هذا اللقاء أن أعطى لإبن الشيخ دفعة معنوية واحساس عالي بكل اغنية يؤديها وكل حرف يكتبه الى أن صار معروفاً جداً في محيطه في سن لم يكن مسموحاً للكثيرين مثله بالدخول الى هذا العالم الغامض ولا حتى هو نفسه لم يتوقع في يوم من الايام ان يصبح مشهورا ومعروفا بهذا القدر مما زاده تمسكا بما وصل اليه من مكانة .
فقد صار لايمر يوم الا ويلمح بنان يشير اليه أو نظرة اعجاب من هنا وكلمة مدح من هناك وصار يرتاد الأماكن العامة التي بها الكثير من الناس مثل السوق ودار السينما وميدان الرابطة الرياضية ,, يفعل كل هذا ليشبع في نفسه غروراً ولد يوم أن دخل الى هذا العالم والتقى بملهمته.
لكن الأيام كانت قد خططت لإبن الشيخ مالم يكن في الحسبان ..............
اذن كيف سارت ايامه بعد ان اصبح مشهوراً؟؟
وكيف سارت قصته مع الملهمة ؟؟؟
وماذا فعل والده عندما علم بأنه يغني في الأفراح؟؟؟؟

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فــلاش (12)

كان الجو ربيعياً والهواء عليل والسماء ملبدة بغيوم صديقة توشك أن تطبع قبلة على خد الأرض بزخات مطر ندية .
وكان ذلك (الحوش) يزهو بطقم جلوس أنيق يرسم شبه مستطيل مع السريرين الموضوعين بعناية على الجوانب تحفهم من الامام تلك الحديقة الصغيرة والتي تعود (
أبن الشيخ
) أن يجلس فيها مع صديقه أحمد في منزلهم والتي شهدت مولد أول إعتراف بالحب من أسرة تلك الملهمة.
جلس (
الشيخ) في أحد المقاعد الوثيرة وجلس إخوانه بجانبه الأيمن وعلى جانبه الأيسر جلس خيلان (إبن الشيخ
) وأبناء عمومته بينما كان هو يجلس في مقعد آخر قرب صديقه احمد وخيلان وأعمام ملهمته في مواجهة والده وعلى محياهـ إبتسامة لم يستطيع إخفائها .
أما (
أم الفقراء) فقد كانت هي واخواتها وعمات (إبن الشيخ
) ورهط من النساء قد دخلن بالباب الآخر الصغير وهن الآن يجلسن مع تلك الملهمة وأمها كما يتوقع.
كان هذا اليوم وهذا التاريخ هو أفضل أيام وتواريخ صاحبنا بل أسعدها على الإطلاق , لما لا وهو الذي أتى اليوم خاطباً ود و يد ملهمته الغالية التي تعب في سبيلها أيما تعب وساهر في سبيلها لأول مرة في حياته وأقنع والده وأمه بها بعد أن كاد يفقدها تماماً.
وهاهو اليوم قد أتى بصورة رسمية ليطلب يدها لا بل سيطلب له يدها (
الشيخ) و(أم الفقراء
) شخصياً وياله من فخر لا يفوقه فخر.
رجع (
ابن الشيخ
) ذلك اليوم وهو اكثر شخص سعادة في الكون ولم ينتظر حتى يغير ملابسه ولم يستمع الى أمه وهي توصيه أن ( يتقل شوية ) بل انتهز فرصة وصوله الى البيت وانشغال والده بالضيوف الموجودين ليباركوا لإبنه وانسل سريعاً من بينهم ليرجع الى ملهمته التي كانت بإنتظاره وكأن بينهم موعد.
وجدها تتكيء على احد المقاعد في تلك الحديقة الصغيرة ومعها صويحباتها يستعرضن ماجاء به أهل (
إبن الشيخ) كهدية لها وعندما رأته أسرعت الى الداخل والحياء يرسم أروع لوحة على ذلك الوجه الذي يستحي منه القمر وإبتسامتها الندية تدفعه دفعاً الى اللحاق بها وقد كان.
لحق بها صاحبنا فوجدها مع أمها في غرفتها فسلم على امها وكانت ذات نظرة لماحة فقامت من فورها وتركتهم لهيامهم .
لم يتبادلا كلمة سوى ( مبروك علينا ) وكانت تجلس على حافة السرير بثوبها البنفسجي وشعرها المتدلي على جانبها الأيمن منسدلاً حتى موضع جلوسها على السرير وهي تنظر الى اسفل بإبتسامة خلابة وخجولة, فجلس صاحبنا قربها واضعاً يده على كتفها وبيده الاخرى أزاح خصلات متمردة من شعرها عن جانب وجهها ونظر في عيونها فوجد الشوق يتدفق شلالاً وضمها الى احضانه في شوق يترجم كل حرمان السنين وكل معاني الحب في الكون وضمته بدورها وهي ترتجف بين يديه وتبادلا قبلة اختصرا فيها كل المسافات في الدنيا وسالت من عيون المحبين دموع فرح وشوق وحب جارف في لحظة نسيا فيها كل الكون وكل ماحولهم وكأنهم في جزيرة بعيدة وسط المحيطات تحفها الورود من كل جانب وتجري جداول ماءها بطعم الحب.

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فـــلاش (13)



جــنـون الحـــــب



وقف إبن الشيخ أمام المرآة في غرفته الواسعة والمليئة بصور ملهمته بكل المقاسات والألوان , وقف يتأمل هيئته ويضع آخر اللمسات على شعرهـ ثم يتضمخ بعطره المحبب الذي تعود أن يستعمله فقط عندما يكون على موعد معها.
خرج إبن الشيخ ودار امام إخوانه وأمه كي يتأكد من أناقته بسماع تعليقاتهم عندما يرونه متأنقاً كعادتهم دائماً وقد تأكد له ذلك عندما أصرت أمه على أن تبخره بذلك البخور العطر وهي تردد ( الله يحفظك ياولدي من كل عين حاسدة ماتعاين ليك .... و و و و الخ الدعوات المعروفة ) والتي تعود عليها, ثم طبع قبلة على جبينها وخرج.
وصل إبن الشيخ الى بيت صديقه أحمد وطرق الباب ودخل فوجدها قد إستعدت وتأنقت وكانت كالملاك في شكل إنسان فأخذ يردد في سره دعاء تعلمه من أبيه الشيخ وكان يقرأه كلما يقابلها كي يحصنها به كي لاتصيبها عين أو حسد فقد كان يخاف عليها حتى من نفسه.
خرج الإثنان ذلك اليوم الى أحد الكازينوهات المطلة على النيل وجلسوا على نفس المنضدة التي يجلسون عليها دائماً حتى أن عمال وجرسونات ذلك الكازينو قد تعودوا عليهم لدرجة أن صارت شبه صداقة معهم حيث كانوا يستقبلوهم بكل بشاشة وترحيب ويحجزون لهم تلك الطاولة تحديدا وكان موقعها على الركن الداخلي للكازينو وتطل على النيل مباشرة.
أتى - ناصر - وهو أحد العاملين بذلك المكان وسلم عليهم بابتسامة جميلة وذهب ثم عاد بعد قليل يحمل عصير البرتقال الذي تعودوا أن يطلبوه في كل مرة وثم وضع على الطاولة وأمام إبن الشيخ أربعة أو خمسة من الأوراق البيضاء مع قلم حبر جاف وقد كان صاحبنا يطلب هذه الأشياء من - ناصر - في كل مرة يأتي فيها الى هنا فتعود - ناصر - على هذا الطلب وصار يحضره مع العصير في كل مرة دون تذكير من صاحبنا .
وفي كل مرة في نهاية الجلسة كان إبن الشيخ يملأ هذه الأوراق شعراً ونثراً وأحياناً تشاركه ملهمته الكتابة وقد نجد في هذه الأوراق كل مادار في جلستهم من كلمات حب وغزل وهيام وشعر وحتى إختلافاتهم في رأي أو أي مواضيع أخرى نجدها مكتوبة في هذه الاوراق آخر الموعد ويحملها معه إبن الشيخ الى البيت ليدونها في دفتر كبير يطلق عليه إسم - كل الأشواق -.
تبادل صاحبنا وملهمته حبا لايوصف كان كلما نظر اليها وجدها احسن صورة من ذي قبل , وكان كلما خرج معها في موعد يحس بان كل الدنيا تنظر اليها هي تحديداً وكان هذا الشعور يولد بداخله رغبة في إخفاء حبيبته عن جميع الأعين وكان ذلك يفرحها ويجعلها تزهو وكأنها هي الوحيدة مالكة هذه الدنيا وأسعد إنسانة في الكون.
وكانت تخاف عليه حتى من اعز صديقاتها وكانت عندما تسمع انه مرتبط بحفل أو موعد تسجيل أو أي شيء يبعده عنها حتى ولو لدقائق معدودة كانت لاتطيق ذلك وتبدي ضيقها وشعورها بالغيرة حتى من أمه.
إنتهى ذلك الموعد وحانت ساعة الرحيل وقد قاربت الساعة ان تعلن الحادية عشر مساءً وفجأة إنتبهوا للسماء ترسل شلالات متواصلة من المطر الغزير فهرعوا مع عدد كبير من رواد ذلك الكازينو الى غرفة كبيرة داخله يستعملها العمال لتخذين المواد التي يستهلكونها في عملهم , وكانت أصوات الرعد تصم الآذان وهي الخوف الأول لتلك الملهمة فكانت كلما تسمع هدير الرعد تتمسك بإبن الشيخ أكثر حتى صارت تحتضنه تماماً أمام اعين كل الموجودين ويحتضنها هو بكل قوة .
ظلوا على هذا الوضع طويلاً حتى تمنى صاحبنا أن لايتوقف المطر وان يظل يهطل هكذا الى إسبوع من الآن وتمنى أيضاً أن يزداد هذا الرعد هديراً ويعلو فوق كل صوت وكانوا في وضعهم هذا يتناجون وكأنهم وحدهم في هذا العالم فكان صاحبنا يقول لها ( احبك شديد خالص خالص وياريت لو نموت في الوضع دا)
فترد هي قائلة بصوت مرتعش : (ياريت والله وعارف هسه لو متنا كدا بنكون حققنا وعدنا وحبينا بعض لحد الموت مش كدا؟؟)
فيضمها الى صدره أكثر وبقيا على هذا الحال حتى خفت حدة المطر وبدأ الجميع في الخروج وكانوا أول الخارجين فشاهدوا الشوارع والطرقات مليئة بالمياه وكأنها بحر حتى الإسفلت والبيوت المطله على الشوارع لافرق بين مجرى أو شارع او طريق جانبي فملامح جميع الطرقات صارت مستوية بالماء وكأنها رصفت جميعا بطبقة من الطين .
كان صاحبنا وملهمته هم الوحيدون الذين يستمتعون بهذا الجو ويعتبرونه واحدة من مغامراتهم الكثيرة التي عاشوها سوياً فشكلت لهم رصيد من الذكريات لايمكن تجاهله , أخذو يسيرون تحت رذاذ المطر وهم في طريقهم الى موقف المواصلات يضحكون ويمرحون ويقفون هنا ليشتروا ساندويتشاً ويذهبون هناك ليشاهدوا سيارة داعب الماء محركها فتعطلت , حتى وصلوا الى الموقف وإستغلوا الحافلة وعندما وصلوا الى مقصدهم ونزلوا وجد صاحبنا أن الشارع المؤدي الى منزل ملهمته مليء بالماء كالبحر والمنزل يبعد عن بداية الشارع نحو أربعة منازل ولمح أبناء الحي يجاهدون في تصريف الماء من منازلهم وكانوا متجمعين سوياً يدخلون هذا البيت ويساعدون اهله ثم يدخلون البيت الذي يليه في تكاتف ومروءة قل ان تجدها إلا في هذا السودان العظيم .
هنا إحتار إبن الشيخ كيف يوصل ملهمته الى بيتها مع كل هذا الماء الذي يصل الى أعلى ركبة الشخص البالغ ومع وجود كل هؤلاء الشباب في الشارع ومن المستحيل عليها أن تسير وهي مسبلة تنورتها الطويلة هذه والتي تصل الى أدنى كعبيها وأيضاً لن يرضى هو أن ترفعها ولو قليلاً في وجود كل هذه الأعين الراصدة حتى لايتبين ماتخفيه من قوامها العاجي الذي يبدو كمنحوتة إلهية لأحد الملائكة فقال لها مداعباً : (الليلة إلا تجيبي ليك مركب عشان تصلي بيتكم)
فقالت له ضاحكة: (وإنت قاعد تعمل شنو؟ ان شاءالله تشيلني زاتو .. انا غايتو الموية دي مابخشها)
وهنا وبحركة سريعة قام صاحبنا دون تردد بحملها بين يديه كالطفل الصغير وتقدم بها وسط دهشة أبناء الحي وتصفيق بعضهم وصيحات البعض الأخروكانوا جميعهم يعرفون صاحبنا جيداً ويعرفون قصة هذا الحب الذي لم يشهدوا مثلها إلا في المسلسلات والأفلام ,
أما هي فقد بلغ بها الحياء مبلغاً فدست وجهها في صدره حتى أوصلها الى باب بيتها ودلف الى الداخل وأنزلها أمام أمها.
وقد حكت له فيما بعد عن هذا الموقف وقالت انها كانت تشعر وكأنها عروس في ليلة زفافها يحملها زوجها بين يديه أما اخوها احمد وأمها فقد اطلقوا عليهم منذ ذلك اليوم لقب - المجانين –

نعم فقد تجاوزا الحد الفاصل....

بين العشق ..... والجنون..

ولكنه ... جنون لذيذ

جـنـون الــحـــــب.

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فــلاش بـــاك

هنا نرجع لما فات علينا ذكره عن كيف إقتنع (الشيخ) بخطوبة إبنه وكيف أقنع هو والده بها ....



تعود (الشيخ) عند حلول شهر رجب من كل عام أن يجمع (الحيران
) ويسألهم عمن لديه رغبة في الزواج ومن ثم يرسل مناديبه الى عدد من الشيوخ الآخرين في مناطق متفرقة طالباً منهم زوجات لحيرانه وعندما يأتي الرد يجهز نفسه وحيرانه ويجمع ماعندهم من نقود ويضيف عليها من عنده ثم يصطحبهم الى تلك المناطق وبالترتيب مع الشيوخ الآخرين يتم تزويجهم .
وأحياناً كان (
الشيخ) يطلب من بعض (الحيران) أن يتزوجوا حتى لو كان بعضهم متزوجاً وينفذون هذا الطلب إرضاءً (للشيخ
) ونظرته الى الأمور التي تختلف عن نظرتهم اليها حسب إعتقادهم.
وفي يوم من الأيام نادى (
الشيخ) على إبنه وأجلسه بجانبه وطلب منه أن يجهز نفسه يوم الجمعة القادم فقد وجد له زوجة رائعة كما أخبره وهي إبنة أحد الشيوخ الكبار المعروفين وقد رأى أن يطلبها لإبنه نظراً لعلو نسبها وحسبها ولتدينها وأخلاقها وقد كانت كذلك فعلاً ولكن (إبن الشيخ) رفض هذا العرض المغري وفي باله ملهمته تلك التي ملكت عليه كل الآفاق وثم أنه لن يتزوج بهذه الطريقة فهو ليس واحد من (الحيران) الذين يؤمرون فيطيعون دون نقاش بل هو (إبن الشيخ
) .
رفض صاحبنا هذا العرض كما أسلفنا ودار نقاش بينه ووالده وأرتفعت أصواتهم ثم قام صاحبنا من مجلسه ودخل الى المنزل وهو في أقصى حالات الغضب والإنفعال فقابلته أمه (
أم الفقراء
) وهي منزعجة وسألته عن سبب إرتفاع صوته مع أبيه فشرح لها كل شيء وحمل بعض أغراضه وغادر المنزل.
مرت ثلاثة أيام بعد هذه الحادثة و(
إبن الشيخ) يقيم في منزل جدته لأمه يخرج صباحاً الى الجامعة ثم يعود راجعاً الى منزل صديقه (أحمد) ليقابل ملهمته وفي اليوم الرابع وأثناء خروجه من الجامعة وجد أحد (الحيران) ينتظره بالكافتيريا القريبة من الباب الخارجي وسأله عن سبب قدومه فأفهمه أنه أتى بناء على رغبة (الشيخ
) وأعطاه ورقة صغيرة فتحها فوجدها رسالة من أبيه يطلب منه العودة الى المنزل للتفاهم في موضوع زواجه مع صرف النظر عن ذلك العرض السابق.
دخل (
إبن الشيخ) الى الديوان الكبير ووجد أبيه جالساً في مكانه المعتاد وبجانبه (شيخ بشير) فأقترب منه وقبل رأسه ثم جلس أمامه على الأرض فقام (الشيخ) وأمسك بيد إبنه وأجلسه على الكرسي بجانبه وقال له بإبتسامة : ياولدي الأمور مابتتعالج بالطريقة دي .. ولو عندك رأي قولو لي لكن ماتخليني أتكلم وبعدين تمشي تفوت وتخلي البيت .. ياولدي البيت دا كان خليتو وكان قعدت فيهو ياهو بيتك وإنت لو رضيت ولا مارضيت ياكا راجل البيت دا... يعني أخوانك الصغار ديل لما يشوفوك بتعمل كدا هم حيعملو شنو؟؟
ظل صاحبنا صامتاً يستمع الى أبيه حتى أتت لحظة قال فيها أبيه : وياولدي إنت لوماعايز البنت دي مامشكلة لكن توريني لو عندك واحدة خاتي عينك عليها ولو ماعايز تكلمني أنا عارف إنك عايز بت المرحوم (فلان) أخت صاحبك (أحمد) وهو والله ولد كويس مافيهو كلام ربنا يديهو العافية وكنت مراقبك وموصي أمك تعرف البت دي كويس وتعرف أهلها وأنا عملت كدا عشان أتأكد إنك فعلاً عندك الرغبة ترتبط بيها ولا بتلعب ساكت زي أولاد اليومين ديل ... أها خلينا في الجد نمشي نعقد ليك عليها متين؟؟؟
هنا أحس (إبن الشيخ
) وكأنه يحلم وأن هذا الذي يحدث أمامه ليس إلا حلماً جميلاً تمنى ألا يستيقظ منه الى يوم الدين ...
(إبن الشيخ)
والله يابوي ماعارف أقول ليك شنو لكن البت دي انا فعلاً عايزا وماعايز غيرا ولو جبت لي بنات الناس ديل كلهم أنا مابختار إلا هي وبس .. وبعدين انا كنت عايز أقول ليك الكلام دا من .....
قاطعه أبيه قائلاً : عارف عارف بس قول لي هسه قدام (شيخ بشير) دا نمشي متين نعقد عليها؟؟؟
(إبن الشيخ) طيب خلينا من حكاية العقد دي هسه لأنو إنت عارف أنا طالب لسه ويمكن مايوافقو على العقد خليها خطوبة بس .
(الشيخ) : والله إنت عارف رأيي في حكاية الخطوبة دي لكن مامشكلة بس على شرط أول ماتخلص الجامعة نعمل العقد والعرس في يوم واحد رأيك شنو؟؟
(إبن الشيخ): موافق يابوي يديك العافية
(الشيخ): طيب على بركة الله أمشي كلم صاحبك (أحمد) وخليهم ينتظرونا اليوم الفلاني ..


وهكذا سارت الأمور والتجهيزات الى أن تمت الخطوبة كما ذكرنا تفاصيلها سابقاً..
وفي الفلاش القادم (14) سوف نحكي عن التطورات التي حدثت في هذه القصة وعن المفاجأة الضخمة التي قلبت الموازين رأساً على عقب والتي لازالت آثارها واضحة في حياة (
إبن الشيخ) حتى الآن

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فـــــلاش (14)



خرج صاحبنا في ذلك الصباح الجميل ونسمات الخريف تداعب وجهه وترسم على محياه سيما ارتياح متوج بابتسامة عذبة ..... كيف لا ولم يتبقى لموعد عقد قرانه على ملهمته سوى خمسة عشر يوماً هي فترة إمتحاناتها للنصف الأول من السنة.
سار في طريقه اليها وهو يقود عربة والده البوكس الذي شهد كثير من مغامراتهما معاً والذي كثيراً ما إحتال على (الشيخ) ليأخذه عندما يكون على موعد معها ووصل ووجدها واقفة في إنتظاره عند الباب ليوصلها كما اعتاد كل يوم لموقع الامتحان وركبت الى جانبه ومضى في طريقه سعيداً يتنسم عطرها ويحكي لها عن شوقه الذي داهمه ليلة أمس بعد أن رجع منها وتحكي له عن استعداداتها لليوم الموعود وفي منتصف المسافة رأى إمرأة كبيرة في السن تلوح له بيدها كي يوصلها في طريقه فلم يشأ أن يتوقف حتى لايتسبب لملهمته في تأخيرها عن جلسة الإمتحان الأولى ولكن ملهمته أصرت أن يتوقف فتوقف مرغماً وأتت المرأة وحاولت أن تركب بجانب ملهمته في المقعد الأمامي فلم يتسع لها المكان وقد كانت ممتلئة الجسم فرجعت الى الصندوق الخلفي وحاولت الركوب ولكن المسافة من الأرض الى ظهر البوكس كانت كبيرة على إمرأة في مثل سنها فما كان من تلك الملهمة إلا أن نزلت ثم دعت السيدة لأن تركب في المقعد الأمامي بجانب (إبن الشيخ
) ورجعت هي لتركب في الصندوق الخلفي فجلست السيدة في المقعد الأمامي وهي تردد الدعوات لهما أن يوفقهم الله ويسعدهم وينور طريقهم.
سأل (إبن الشيخ
) السيدة عن وجهتها فأشارت الى مكان في نفس خط السير فشعر بالإرتياح وواصل طريقه ثم نظر في المرآة ورأى ملهمته وهي تنظر اليه وتشيعه بإبتسامة وتنهض من مكانها وتحاول تغيير مكان جلوسها من الناحية اليمنى خلف السيدة العجوز الى الناحية اليسرى خلفه تماماً فحول بصره عنها وأبتسم فقد أدرك أنها تريد الإقتراب منه فمد يده اليسرى خارج النافذة وأرجعها الى الخلف محاولاً مداعبتها عندما تستقر في مكانها ولكن يده لم تصل اليها بل لم تجدها أصلاً في ذلك المكان فأبتسم مرة أخرى وظن أنها أبتعدت في جلستها حتى لاتصل إليها يده ونظر في المرآة مرة أخرى ليتأكد من موضع جلوسها ولكنه لم يراها هناك فحول بصره الى الناحية اليمنى لعلها تكون قد رجعت ولكنه لم يراها أبداً فنظر الى المرآة الجانبية وهاله ما رأى ....
رأى (إبن الشيخ) ملهمته وهي تتدحرج على الأرض بعيداً عنه فداس بأقصى مايملك من قوة على الفرامل وقلبه يكاد أن يتوقف خوفاً عليها ونزل مفزوعاً وهرول اليها وحملها بين يديه وهو ينادي عليها كي تفيق ولكنها لم ترد فقد كانت فاقدة لوعيها من أثر سقوطها فسارع صاحبنا دون وعي منه بجر وإنزال تلك السيدة من العربة ووضع ملهمته داخلها وأخذ يسابق الريح بقيادة في غاية الخطورة وسط الطريق المزدحم وشلالات من الدموع تنهمر بغزارة على وجنتيه ويمسحها كل لحظة لكي يستطيع رؤية الطريق وينظر الى ملهمته التي إستردت وعيها ولكنها تبدو شاحبة ومرهقة فزاد سرعته حتى خيل له أن هذا الطريق قد صار أطول مرتين من المعتاد ووصل الى المستشفى وحملها بين ذراعيه مرة أخرى ودخل بها الى قسم الحوادث وسلمها الى الأطباء الذين باشروا معاينتها فوراً وسألوا صاحبنا عن حالتها فأخبرهم فما كان منهم إلا أن إستدعوا رجال الشرطة التابعين للمستشفى والذين أقتادوا (إبن الشيخ
) الى مكتبهم وأخذوا يستجوبونه وهو يجاوبهم بصبر وضيق شديدين و الدموع تنهمر من عينه بلا توقف وهو في غاية القلق والخوف على ملهمته التي تسبب هو في سقوطها عن العربة أو هكذا كان يشعر .
تحفظ رجال الشرطة على (إبن الشيخ) داخل الحجز الخاص بالقسم انتظاراً لشقيقها (أحمد) ووالدتها بعد أن إتصلوا عليهم وأخبروهم عن الحادثة وأرسلوا أحد الأفراد لمتابعة حالتها وجلب تقرير الطبيب ......

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فــــلاش (15)



دخل (ابن الشيخ) في حالة من التعصب والهياج جراء حبسه دون أن يدري أو يتابع حالة ملهمته الطريحة على السرير الأبيض في ذلك المستشفى فأخذ يصيح بأعلى صوته طالباً إخراجه من هذا المكان وعندما عجز عن ذلك أخز ينادي كل من يمر أمام ذلك القسم عسى أن يذهب أحدهم ويطمئن عليها ويأتيه بأخبارها ولكن بائت كل محاولاته بالفشل فجلس على تلك الأرضية الأسمنتية وهو يبكي بحرقة وأستمر هذا الوضع لساعات لايدري عددها ولكنها وقت طويل الى أن أتاه أحد الأفراد وفتح باب الحجز وأخرجه ثم اقتاده الى مكتب الشرطي المناوب وهناك وجد صديقه (أحمد) الذي تنازل عن الحالة ووضع توقيعه في ذلك الدفتر المشئوم واصطحبه الى العنبر الذي ترقد فيه ملهمته ورآها نائمة من أثر الدواء فأسرع اليها وجثم بجانبها يبكي بأعلى صوته حتى لفت إنتباه جميع الممرضين والممرضات بذلك القسم من المستشفى وأخز (أحمد
) يهديء من روعه ثم أمسكت والدتها بيده وجزبته اليها واحتضنته في نوبة بكاء حار الى أن أتى أحد الأطباء وطلب منهم الخروج لراحة المريضة بعد أن طمأنهم على حالتها.
جلست تلك الملهمة لأسبوع كامل وهي في حالة من الإرهاق وتنتابها نوبات إغماء متكررة حيث كانت تفتح عينيها للحظات وتسأل والدتها عن (
إبن الشيخ) فيسرع اليها وتراه وتبتسم في وجهه دون كلام ثم يغمى عليها مرة أخرى وبعد أن انقضى الأسبوع أخزت حالتها في التحسن الى أن أمضت خمسة عشر يوماً صارت أحسن كثيراً وصارت تأكل وتشرب ولكن من يد (إبن الشيخ) فقط , حتى والدتها وأخوها لايستطيعون اطعامها عدا صاحبنا فعرف الاطباء أن هذا الشخص مقرب اليها فصاروا ينادونه عندما يحين وقت الطعام فيجلس بجانبها ويسندها اليه ويطعمها بيده وهي تبتسم ويسقيها بيده وهي تبتسم ثم في الآخر يطبع على جبينها قبلة رقيقة ويخرج هو و(أحمد
) الى حديقة المستشفى التي صارت البيت الثاني لصاحبنا حيث مرت عليه الآن خمسة عشر يوماً وهو يعيش هنا في هذه الحديقة الداخلية لذلك المستشفى ويرفض رفضاً قاطعاً العودة الى منزلهم حتى تشفى ملهمته ويعودون سوياً.
وفي اليوم الثامن عشر وهو على هذه الحال جالس في الحديقة تحت نافذة الغرفة التي ترقد فيها ملهمته وبعد منتصف الليل بقليل أتاه صوتها حنيناً يناديه فألتفت الى أعلى ورآها واقفة على النافذة وضوء القمر ينعكس على ثوبها الأبيض مشكلاً مع وجهها الدائري وشعرها الأسود الطويل المنسدل على أكتافها لوحة بديعة وكأنها إحدى الملائكة التي تنزل الى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل لتسأل عباد الله عن حاجة لهم أو دعاء يرفعونه لهم فدعا الله في سرهـ أن يحفظها له من كل شر وأن يمتعها بالصحة والعافية.
وأخز يرتقي السلالم بسرعة للوصول اليها وفي سره يتسائل هل سيستجيب الله دعائه هذا ؟؟؟؟
أم أن في الغيب أشياء أخرى مكتوبة لم تأتي بعد ؟؟؟؟؟

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
فــــلاش ( 16 )


ارتقى ( ابن الشيخ ) درجات السلم بسرعة حتى وصل اليها ووجدها كما رآها أول مرة تفيض نداوة ونضارة وجمال ويمتد نورها ليشمل حتى النوافذ والأبواب في ذلك العنبر السعيد بوجودها فيه.
وقفا سوياً على سياج النافذة المطلة على الحديقة يتأملان القمر والنجوم والأوراق المنسدلة على فروعها وكأنها تؤدي فروض الإحترام لجزع الشجرة النائمة في صمت.
سرح صاحبنا بفكره بعيداً هذه المرة وسعيداً برؤيتها تتعافى أخيراً من وعكتها التي سببها لها دون قصد منه وأبتسم ناظراً اليها والى وجهها الذي يحاكي البدر في ليلة تمامه وقد كانت الليلة هي ليلة تمامه ولكن حتى البدر كان خجولاً من نور هذا الجمال الرباني الذي لم يرى ولن يرى مثله قريباً في بشر.
قضيا في وقفتهما تلك وقتاً طويلاً حتى أحس صاحبنا بأنها قد تعبت من الوقوف فأمسك بيدها وقادها الى داخل الغرفة وجلس قربها وقد اتكأت على يدها اليسرى في السرير الأبيض وأرسلت اليمنى لتداعب شعره وعنقه ووجهه وسألته :
هي : خفت علي من الموت ؟
هو : لو ماخفت عليك أخاف على منو تاني ؟
هي : مش نحن متواعدين نحب بعض لحدما نموت ؟ طيب لو مت حأكون وفيت معاك بي وعدي مش ؟
هو : لأ .. نحن إتفقنا نحيا سوا ونموت سوا يعني لو متي كنتي حتخليني وتمشي براك ودا ما اتفاقنا
هي : بضحكة خلابة يعني انت حتكون حارسني كدا طوالي ؟ خليني شوية ابعد عنك عشان تشتاق لي
هو : يابت أنا محتاج ابعد عشان اشتاق ليك ؟؟ هو أنا لما تكوني معاي بكون مشتاق ليك ولما تمشي بشتاق ليك ولما تجي بشتاق ليك وماعارف زاتو اسوي معاك شنو

وضحكوا سوياً وطبع قبلة على جبينها ونظر الى أمها التي كانت تجلس في السرير المقابل حيث قالت :

الام : ياولدي ربنا يخليكم لى بعض وتشتاقو لى بعض اكتر واكتر والله ذكرتوني أيامنا أنا وأبوها زماااان الله يرحمو ماكان بقدر يبعد عني كلو كلو
هو : في خبث وإنتي كنتي بتقدري تبعدي عنو ياخالة ؟؟
الام : ضاحكة ياولدي انت عاد ماتزرزرني كدا
وضحكوا جميعاً ثم التفت صاحبنا الى ملهمته وقال لها:
هو : أحمد وين ؟
هي : أحمد مشى البيت يرتبو عشان طالعين بكرة طبعاً
هو : والله دا أحلى خبر أسمعو الليلة ومن ساعة كلموني بيهو لحد هسه ماقادر ألم نفسي من الفرح
هي : طيب ياحبيبي انت كمان لازم تمشي بيتكم خلاص أنا كويسة هسه وبعدين عشان تغير ملابسك دي وتحلق وتجيني بكرة الصباح تطلعني لأني ما حأطلع من هنا إلا معاك وإنت عارف كدا ... ولا عايزني أطلع معاك وإنت كدا ؟
هو : لأ خلاص حأمشي وأجيكم الصباح
هي : طيب
هو : يالله ياخالة أنا حأجيكم الصباح ان شاءالله
ثم ودع ملهمته بطريقته الخاصة وهمس لها شيئاً في أذنها فأبتسمت بسعادة غامرة وخرج الى الطريق يبحث عن وسيلة مواصلات في هذا الوقت المتأخر حتى وجد عربة أشار اليها فحمله سائقها معه وكان طريقه نفس طريق منزل صاحبنا فوصل ودخل الى غرفته بعد أن جلس مع والدته لبرهة ليطمئنها على ملهمته ثم استوى على سريره ليستسلم للنوم .
لكنه لم ينام , إحساس غريب إنتابه في هذه اللحظات , إحساس بعدم إنتهاء معاناته وملهمته في ذلك المستشفى , حاول وحاول أكثر من مرة لكن النوم لم يجد لعينيه طريقاً , وعند الخامسة فجراً نهض من فراشه وكأن منادياً يناديه ويحثه أن يسرع لتلبية النداء كان نداء ملهمته لقد عرف ذلك بإحساسه وحده وسمعه بأذنيه ولم يسمعه أحد غيره بل لن يستطيع احد غيره سماعه.
تناول مفتاح أحدى عربات والده وفي سرعة فائقة كان في المستشفى مهرولاً الى حيث ملهمته وجميع من بذلك المستشفى يغطون في نوم عميق.
وصل الى حيث غرفتها
رأى أمها نائمة ووجدها هي على فراشها مغمضة عينيها بهدوء وعلى ثغرها طيف تلك الإبتسامة التي كانت قد ودعته بها.
مد يده ليتحسس جبينها فوجده بارداً...
أحس بضوء غريب لم يراهـ بعينيه....
شعر بتواجد أجسام غير مرئية ....
لعلهم ملائكة الرحمن قد أتوا ليشهدوا مراسم صعود أروع واجمل روح وجدت على الأرض بعد أن اعدوا لها مكانها مع الصديقين والشهداء في جنة الخلد.
ذعر أشد الذعر ودنا منها واضعاً أذنه على صدرها..
خيل اليه وكأنه يسمع ارتجاع الصدى عن آخر نبضة تناديه...
وبعدها ..... لم يسمع شيئاً ...
احس وكأن الأرض قد توقفت عن الدوران وكأن الكون قد أعلن حداده الى أجل غير مسمى فصرخ صرخة شقت أركان ذلك المستشفى وزلزلت أساسه وأيقظت حتى الطيور في أعشاشها على أشجار الحديقة.
وقبل أن يكتسي كل شيء في عينه بالسواد..
وقبل أن يفقد إحساسه بالزمان والمكان ..
وقبل أن تعجز أطرافه عن حمله ويفقد سيطرته على كل شيء
وأثناء سقوطه الى هاوية اللاوعي ...
حانت من صاحبنا إلتفاتة لمح فيها دمعة صغيرة تجد طريقها أخيراً لتنساب بإنكسارعلى خدها الأيمن
كانت أسخن دمعة وداع على الإطلاق تعلن إغلاق الستار على آخر فصول ذلك الحب والوعد المستحيل .

----------- تــــــمــــــت---------------

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
مشكووور عسيلاتي وردة

descriptionابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب Emptyرد: ابن الشيخ .. دهشة الميلاد و ملعقة الذهــب

more_horiz
تسلمي علي المرور
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد